العدد 6:11-35
العدد 6:11-35 ت.ك.ع
والآنَ فأَحْلاقُنا جافَّة، ولا شَيءَ أَمامَ عُيونِنا غَيرَ المَنّ». وكانَ المَنُّ كبِزْرِ الكُزبُرَة، ومَنظَرُه مَنظَرُ المُقْل. وكانَ الشَّعبُ يَتَفَرَّقُ فيَلتَقِطُه ويَطحَنُه بِالرَّحى أَو يَدُقُّه في الهاوَن ويَطبُخُه في القِدْرِ ويَصنَعُه فَطائِر، وكانَ طَعْمُه كَطَعْمِ قَطائِفَ بِزَيت. وكانَ عِندَ نُزولِ النَّدى على المُخَيَّمِ لَيلًا يَنزِلُ المَنُّ علَيه. فلَمَّا سَمِعَ موسى الشَّعبَ يَبْكونَ كُلُّ واحِدٍ في عَشيرَتِه وعلى بابِ خَيمَتِه، وقد غَضِبَ الرَّبُّ جِدًّا، ساءَ ذٰلك موسى. فقالَ موسى لِلرَّبّ: «لِمَ أَسأتَ إِلى عَبدِكَ، ولِمَ لَم أَنَلْ حُظوَةً في عَينَيكَ، حتَّى أَلقَيتَ عَلَيَّ عِبْءَ هٰذا الشَّعبِ كُلِّه؟ أَلَعَلِّي أَنا حَمَلتُ هٰذا الشَّعبَ كُلَّه، أَم لَعَلِّي وَلَدتُه حتَّى تَقولَ لي: إِحمِلْه في حِضنِكَ، كما تَحمِلُ الحاضِنُ الرَّضيع، إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمتَ لآبائِه علَيها؟ مِن أَينَ لي لَحْمٌ أُعْطيه لِهٰذا الشَّعْبِ كُلِّه، فإِنَّه يَبْكي لَدَيَّ ويَقول: أَعطِنا لَحْمًا فنَأكُلَه. لا أُطيقُ أَن أَحمِلَ هٰذا الشَّعبَ كُلَّه وَحْدي، لأَنَّه ثَقيلٌ عَلَيَّ. والآنَ فإِن كُنتَ فاعِلًا بي هٰكذا، فٱقتُلْني، أَسأَلُكَ، ٱقتُلْني إِن نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، ولا أَرى بَلِيَّتي». فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «إِجمَعْ لي سَبْعينَ رَجُلًا مِن شُيوخِ إِسْرائيلَ الَّذينَ تَعلَمُ أَنَّهم شُيوخُ الشَّعْبِ وكَتَبَتُهم، وخُذْهم إِلى خَيمَةِ المَوعِد، فيَقِفوا هُناكَ مَعَكَ. فأَنزِلُ أَنا وأَتَكَلَّمُ معَكَ هُناكَ وآخُذُ مِنَ الرُّوحِ الَّذي علَيكَ وأُحِلُّه علَيهم، فيَحمِلونَ معَكَ عِبْءَ الشَّعبِ ولا تَحمِلُه أَنتَ وَحدَكَ. وقُلْ لِلشَّعْبِ: تَقَدَّسْ لِلْغَد، فسَتأكُلُ لَحْمًا لأَنَّكَ بَكَيتَ على مَسامِعِ الرَّبِّ وقُلتَ: مَن يُطعِمُنا لَحْمًا فقَد كُنَّا بِخَيرٍ في مِصْر. فالرَّبُّ يُعْطيكَ لَحْمًا فتَأكُل، لا يَومًا تأكُلُ ولا يَومَينِ ولا خَمسَةَ أَيَّامٍ ولا عَشَرَةَ أَيَّامٍ ولا عِشْرينَ يَومًا، بل شَهرًا كامِلًا، إِلى أَن يَخرُجَ مِن أَنفِكَ وتَتَقَزَّزَ مِنه، لأَنَّكَ نَبَذتَ الرَّبَّ الَّذي في وَسْطِكَ وبَكَيتَ في وَجهِه وقُلتَ: لِمَ خَرَجْنا مِن مِصْر؟». فقالَ موسى: «إِنَّ الشَّعبَ الَّذي أَنا في وَسْطه هو سِتُّ مِئَةِ أَلْفِ راجِل، وأَنتَ قُلتَ: إِنِّي أُعْطيه لَحْمًا يَأكُلُه شَهرًا كامِلًا. أَفيُذبَحُ لَه غَنَمٌ وبَقَرٌ فيَكْفِيَه؟ أَو يُجمَعُ لَه سَمَكُ البَحرِ كُلُّه فيَكْفِيَه؟» فقالَ الرَّبُّ لِموسى: «أَيَدُ الرَّبِّ تَقصُرُ الآنَ عن ذٰلك؟ الآنَ تَرى هَل يَتِمُّ لَكَ كَلامي أَم لا». فخَرَجَ موسى وأَخبَرَ الشَّعبَ بِكَلامِ الرَّبّ، وجَمَعَ سَبْعينَ رَجُلًا مِن شُيوخِ الشَّعبِ وأَقامَهم حَوالَيِ الخَيمة. فنَزَلَ الرَّبُّ في الغَمام وخاطَبَ موسى، وأَخَذَ مِنَ الرُّوحِ الَّذي علَيه وأَحَلَّه على الرِّجالِ السَّبعين، أَيِ الشُّيوخ. فلَمَّا ٱستَقَرَّ الرُّوحُ علَيهم، تَنَبَّأُوا، إِلاَّ أَنَّهم لم يَستَمِرُّوا. وبَقِيَ رَجُلانِ في المَخَيَّم، اِسمُ أَحَدِهما أَلْداد وٱسمُ الثَّاني مَيداد. فٱستَقَرَّ الرُّوحُ علَيهما لأَنَّهما كانا مِنَ المُسَجَّلينَ في اللاَّئِحَة، ولكِنَّهما لم يَخرُجا إِلى الخَيمة، فتَنَبَّآ في المُخَيَّم. فأَسرَعَ فتًى وأَخبَرَ موسى وقال: «إِنَّ أَلْدادَ ومَيدادَ يَتَنَبَّآنِ في المُخَيَّم». فأَجابَ يَشوعُ بنُ نون، وهو مُساعِدُ موسى مُنذُ حَداثَتِه، وقال: «يا سَيِّدي، يا موسى، اِمْنَعْهما». فقالَ لَه موسى: «أَلعَلَّكَ تَغارُ أَنتَ لي؟ لَيتَ كُلَّ شَعبِ الرَّبِّ أَنبِياءُ بِإِحْلالِ الرَّبِّ روحَه علَيهم». ثُمَّ عادَ موسى إِلى المُخَيَّم، هو وشُيوخُ إِسْرائيل. وهَبَّت ريحٌ مِن لَدُنِ الرَّبّ، فساقَت سَلْوى مِنَ البَحرِ وأَلْقَته على المُخَيَّمِ على مَسيرةِ يَومٍ مِن هُنا ويَومٍ مِن هُناكَ حَوالَيِ المُخَيَّم، على نَحوِ ذِراعَينِ عن وَجهِ الأَرض. فأَقامَ الشَّعبُ يَومَه كُلَّه ولَيلَتَه وغَدَه يَجمَعُ السَّلْوى. فجَمَعَ أَقَلُّه عَشرَةَ أَحْمار، فسَطَحَها لَه حَوالَيِ المُخَيَّم. وبَينَما اللَّحْمُ لا يَزالُ بَينَ أَسْنانِه قَبلَ أَن يَمضَغَه، إِذ غَضِبَ الرَّبُّ على الشَّعْب، فضَرَبَه الرَّبُّ ضَربَةً شَديدةً جِدًّا. فسُمِّيَ ذٰلك المَكانُ «قِبْروت هَتَأَوَه»، لأَنَّهم دَفَنوا فيه النَّاسَ الَّذينَ ٱشتَهَوا شَهوَةً. ورَحَلَ الشَّعبُ مِن «قِبْروت هَتَأَوَه» إِلى حَصيروت، فأَقاموا هُناك.