حب بجرأةعينة
مواقف جريئة
يتطلَّب النجاح في الحياة مواقف جريئة، فالجرأة تُؤَثِّر، وتُغَيّر، وتُحقِّق نتائج ملموسة في الحياة، إذ يكون الشخص الجريء على استعداد للقيام بأمور تنطوي على مخاطر. والجرأة هي عكس الخجل، ويمكن أن يكون الشخص جريئًا، مع كونه هادئًا. وبالتالي، يمكن أن ننظر إلى الجرأة الزائدة عن الحد على أنها وقاحة أو تغطرس. وفي كلتا الحالتين، تكون الجرأة مرادفًا بشكل كبير للشجاعة.
أُشارك معكم اليوم ثلاثة مواقف جريئة من الكتاب المقدَّس، نتعلَّم منها الجرأة، ويُمكِن أن يُحدِّد كلّ واحد منّا أين يقف منها:
* في الكتاب المقدّس قصّة معروفة جدًّا، هي قصّة يوسف ابن يعقوب، صاحب الأحلام، الذي باعه إخوته للمِدْيانيّين (الإسماعيليّين) واشتراه في مصر رئيس الشُّرَط (كبير الخدم)، رجل اسمه فوطيفار. لم يكن يوسف حسن الصورة والمنظر فقط، بل كان أيضًا رجلًا ناجحًا، فجعله ذلك مُمَيَّزًا. وكان سِرّ نجاحه أنَّ الله كان معه، فَوَجد نعمة في عيني سيّده فوطيفار. فوكَّلَه على بيته، وجعل تحت يده كُلَّ ما كان له من بيوت، ومواشي، وحقول، وعبيد، وأولاد، ومال، وفِضَّة، وذهب، ومقتنيات. ولم يُمْسِك عنه إلّا شيئًا واحدًا، وشخصًا واحدًا، امرأتَه. فكان أنَّ الربَّ بارك بيت المصريّ منذ وَكّل يوسف على بيته...
ونقرأ في تكوين 39: "7 وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي» (نرى امرأة سيّدِ يوسف، البهيّ الطلعة، والذي كان كلّ ما في بيت سيّده تحت إمرته، نراها الآن تريده، وهما وحدهما في البيت، ودون أن يراهما أحد... فقالت هذه لِيوسف: "اضَّجِعْ معي، فالظروف مؤاتية للتّمتُّع، وطبعًا للسقوط) فأبى وقال "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلى اللهِ (الذي يسير بقربي كلّ يوم)؟".
10 وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا (تعبير لطيف يعني أنّها كانت تدعوه للقيام بِعلاقة غير مقدّسة معها). فانتصر في أول نهار، وشكر الربّ على ذلك. لكنّ الشيطان تدخَّل وقال له: أنت عظيم، كلمتك لا تقع على الأرض، يُمكِنك أن تعمل ما تريد، أو ما تريده هي، فأنت لست المُعتدي! افعل ما تريد زوجة سيّدك... لكنَّه رغم ذلك، بقي ثابتًا على موقفه: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله".
وفي يوم من الأيام، اقتربت منه " فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي!». فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ". فكانت النتيجة أن عوقِب من أجل نزاهته، وطُرِح في السجن، والذي كان له أرفع مركزٍ، إذ طُرِح في أسوء مكان. ولكنّ ذلك المكان كان بالنسبة إليه أسمى مقام، وبقي مرفوع الرأس... وما لبثت الحقيقة أن عُرفَتْ، فكافأه فرعون بسبب أمانته، وخلع خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وجعله وكيلًا على كلّ أرض مصر!
كان ممكنًا أن يتصرّف يوسف بشكل آخر فتكون هناك رواية أخرى، مختلفة: "وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ سمع لَهَا واضْطَجعَ معها، واستيقظ في الصّباح الباكر وراح يتمشّى على سطح البيت، وينظر الحقول والمواشي شاعرًا أنه يملك الدينا، له المال، والمراكز ونساء العالم. لكن في مقابل ذلك يكون الربّ قد فارق يوسف في الليل. فيلتفت يوسف حوله ويرى أنَّه "امتلك الدنيا وخسر نفسه". وتكون النتيجة أنَّ فوطيفار يعرف بالأمر بعد أيامٍ، فيُرسل عبيده، ويقتلوا يوسف ويرموه في شارع المدينة، لِتَلحس الكلاب دمه.
لكن اسمعوا ما يقول العدد 20 من الفصل 39: "فَأَخَذَ يُوسُفَ سَيِّدُهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ، الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. 21 وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ".
فمصيرك إذًا، يتحدَّد بمواقفك وليس بِظُروف الحياة، أو بِشَرّ الآخرين أو صدقهم. نجاح زواجك، وعلاقتك بين الناس، ونجاحك مع مديرك وفي عملك وفي المدرسة يتوقّف على مواقفك أنت من الآخرين، وليس على مواقف الآخرين...
عندما "يُهملكِ" زوجك، وتشعرين أنّ لا أحد يشعر معك وبمعاناتك، وتقع مسؤولية الأولاد على كاهلِكِ، يُطِلّ روميو عليك، وأنتِ في هذه الوحدة والأسى، رجل لطيف ومتزوِّج ، لكنّه يسحرني بلطفه وتقديره، ربّما هو مديري في العمل، أو ربّما هو عنيف مع زوجته، لكنه معي لطيف، كريم. ماذا أفعل؟
زوجتي لا تهتمّ بحاجاتي الجسديَّة، تنام باكرًا، وتكون دائمًا متعبة... لكنَّ تلك الفتاة اللَّطيفة تُعبِّر عن اهتمامها بي. وهنا يبدأ الشيطان يُزيِّن لك الأمور: هذه هي زوجتك الحقيقيّة، ألا ترى كلّ هذا الجمال، وكلّ هذه الأناقة؟ ويُحضِر إليك بالونًا أحمر جميلًا... لكنه من الداخل فارغ.
أين أصحاب المواقف في هذه الأيام؟ النّجاح يتطلّب مواقف حازمة.
* هناك رواية ثانية تعرفونها جيدًا هي رواية آخاب الملك المتزوج بإيزابَل (1 ملوك 21)، الذي حَسُن في عينيه كَرْمُ جاره نابوت اليزرعيلي الذي كان بقرب قصره، لكنَّ صاحبَ الكرم لا يريد أن يبيعه. فأتت إليه إيزابل وسألته: «لِمَاذَا رُوحُكَ مُكْتَئِبَةٌ؟" فأخبرها. فما كان منها إلّا أن هَوَّنَتْ عليه الأمر (أنتَ الملك! ما تُريده، إيّاه يصير!). ثُمَّ كَتَبَتْ رَسَائِلَ بِاسْمِ أَخآبَ، وَخَتَمَتْهَا بِخَاتمِهِ (أي بكامل معرفته، ونعرف ذلك لاحقًا). واختَلَقا كذبةً وقتلا نابوت. ولمّا مات نابوت، نزل آخاب لِيَرث الحقل.
فأتاه إيليا النبي وقال له: 1 ملوك 21: 19 هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟ ثُمَّ كَلِّمهُ قَائِلاً: هكَذاَ قَالَ الرَّبُّ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا».
20 فَقَالَ أَخآبُ لإِيلِيَّا: «هَلْ وَجَدْتَنِي يَا عَدُوِّي؟» فَقَالَ: «قَدْ وَجَدْتُكَ لأَنَّكَ قَدْ بِعْتَ نَفْسَكَ لِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. (رَبِح الأرض وخَسِر نفسه، في حين ربح يوسف نفسه وترك العلاقة الرخيصة غير المقدّسة) وتمَّت النبوّة في آخاب.
بكلّ تأكيد، كان يُمكِن أن تكون هناك رواية أخرى: "وبينما تُحاك مؤامرة ضد نابوت، وقف الملك وقال لإيزابيل ووزرائه: "كيف نُخْطِئ إلى الله ونَفْعَل هذا الشرَّ العظيم، أنا لي هذا القصر الواسع المديد، فاتركوا له هذا الكرم الوضيع". أو ربَّما بعدما أخطأ، وبدل أن يقول حين التقى النبيّ وفضحه: "هل وجدتني يا عدويّ، ليته قال: "قد أخطأتُ إلى الله يا صديقَ الحقّ يا إيليا، ماذا عليّ الآن أن أفعل لِيُسامحني الربّ؟".
وأنتَ، أيّ موقف تقف في الحياة عندما تخطِئ؟ هل تُتابِع الخطأ وتُزوِّر الحقائق، وتتكبّر على الآخرين، ويعلو صوتك لكي تُخفي جريمتك؟ مواقفك تُحدِّد مصيرك.
* وهناك أيضًا رواية ثالثة تعرفونها جيّدًا: هي رواية داود الملك.
تعرفون قصّة داود عندما قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا.
"3 فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4 فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. وكانت النتيجة أنَّ الْمَرْأَةُ حَبِلَتِ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». فقتل داود زوجَها وتزوَّجها. "وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (2 صمو 11: 27).
فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: "كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. 2 وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. 3 وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعًا. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. 4 فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ".
5 فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدًّا، وَقَالَ لِنَاثَانَ: "حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذلِكَ، 6 وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ". 7 فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: "أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ... 10 وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً...12 لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ". فصرخ داود وقال: «13 قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». وكتب المزمور 51 المشهور.
أسأل: أين هم أصحاب المواقف اليوم؟ أمّا أنتَ، فلا تَعِشْ مغشوشًا... بل كُن واحدًا من هؤلاء الثلاثة، وتَحَلَّ بالجرأة. موقفك في الحياة يُحدِّد إلى أية رواية أنتَ تنتسب. ومع كلّ موقف هناك بركة أو لعنة، نجاح أم فشل. تثنية 30: 9 "قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ".
نَتَوكَّل على الربّ في كلّ أمورنا، وهو يُرشِدنا.
فَلْنُصَلِّ.
الكلمة
عن هذه الخطة
يتطلَّب النجاح في الحياة مواقف جريئة، فالجرأة تُؤَثِّر، وتُغَيّر، وتُحقِّق نتائج ملموسة في الحياة، إذ يكون الشخص الجريء على استعداد للقيام بأمور تنطوي على مخاطر. في هذه الرحلة سنتعلم سوياً كيف يمكن أن نعكس محبتنا وإيماننا بالمسيح بجرأة.
More
نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/