حب بجرأةعينة
القيادة الجريئة
عِشنا، ونحن صغار، في ضيعة اسمها الكفور، حيث قضينا معظم طفولتنا في اكتشاف الطبيعة والتنزّه في الجبال والوديان، وبين الكروم... وكنّا نرى بعض الناس يهتمّون بحقولهم، ويعتنون بأشجار بساتينهم، ونلاحظ بعض الأشجار المتروكة والمهملة في الحقول. فتعلمت منذ الصغر أنَّ الشجرة التي نعتني بها تُثمِر، والشجرة التي لا نعتني بها تموت مع الوقت...
وعندما قرأتُ الإنجيل، لفتَ نظري كلام يسوع عن التينة اليابسة وتصرّف الكرام تجاهها، وتَشبيهَ أبيه بالكرّام، ثمّ تَشبيهَ نفسه بالكرمة، وتَشبيهَ الرسلَ والناس بالأغصان. فأيقنتُ كم يعني هذا التشبيه مسيحيّي أيّامنا، وكم يعني كلّ واحد منّا تحديدًا.
وبناء عليه، رأيتُ أن يكون حديثي عن القيادة الجريئة. فإنّنا جميعًا ننقاد لتعاليم المسيح والكنيسة، لكنّ كلّ واحد منّا هو "قائد" في مجالٍ ما، وعليه أن "يقود" ويُوَجِّه ويُصحِّح مسيرة الذين حوله... تمامًا كالكرّام النشيط والمُبدِع المُمسِك بالمِقَصّ، والذي يجول بين الأشجار ليعتني بكلّ شجرة وغصن، متسلِّحًا بالشجاعة والجرأة، فيقطع اليابس ويشذِّب الضعيف، لِكي تُعطي الأشجار أفضل الثمار.
لا يقطع الكرّام الأغصان أو يشذبّها عن عبثٍ، بل لأنّ لديه رؤية وهدفًا يسعى إلى تحقيقهما، وهو أن يجعل الشجرة نَضِرةً لتأتي بثمر أفضل. أمّا الشجرة المتروكة من دون رؤية فتَيْبَس وتموت. ويمكن أن تكون هذه الشجرة حياتك الشخصيّة، أو العائليّة، أو الكنسيّة أو المهنيّة، لذا عليك أن تعمد باستمرار إلى تشذيبها، لتكون دومًا نَضِرة.
والله، هو السيّد المُطلَق وأبُ الكنيسة، هو أيضًا الكرّام. يقول الربّ يسوع المسيح: أنا الكرمة الحقيقيّة وأبي الكرّام، كلّ غصنٍ فيّ لا يأتي بثمرٍ ينزعُه، وكلُّ ما يأتي بثمرٍ يُنقّيه ليأتيَ بثمرٍ أكثر. والقائد الناجح هو القادر على أن يقول كفى لبعض الأشخاص وبعض التصرّفات التي تُعيق النموّ. ويعمد إلى القطع أو التشذيب في ثلاث حالات:
1. يُزيل الأغصان اليابسة أو الميتة: ليعطي حياة جديدة للشجرة، وإلّا فالغصن اليابس أو الميت يُميت الشجرة. وهنا تبرز رؤية القائد وشجاعته، عندما يقول: * يجب إنهاء دور بعض الأشخاص بسبب أدائهم، أو انتفاء دورِهم. أو هناك بعض عادات قد عفا عليها الزمن، يجب أن "تُقطع" أو تُستَبدَل. * أو علينا اعتماد بعض الأساليب الحديثة. وعلى صعيد الكنيسة: إنشاء مجموعات من مختلف الأعمار، إعتماد تطبيق واتسآب، فتح صفحة إلكترونيّة... * علينا تعديل طريقة الاجتماعات أو توقيتها لِنَكْسَب حضورًا أوسع. * يجب إيجاد نصوص صلوات وترانيم جديدة. * يجب تبديل مسؤوليّة الأشخاص ودَوْرِهم... * إلى ما هنالك من نواح واحتياجات. لكي تستمرّ الحياة في الكنيسة.
كلّ ذلك يرتبط بجرأة القائد لِيقول كفى! أو يُفكر بطريقة جديدة لجذب الناس. أو يُعيد النظر في بعض الأمور التي كانت مثمرة وهي الآن ميتة! أو في بعض العلاقات التي كانت مفيدة وهي الآن قليلة الجدوى. تذكَّروا تعلُّق امرأة لوط بماضيها السيّئ الذي حوّلها إلى عمود ملح. هذه الأمور وكثير غيرها تحتاج إلى قرار جريء، فقطع الأغصان وتشذيب الشجرة ليس أمرًا اعتباطيًّا ومزاجيًّا، إنما هو جزء من خطة استراتيجية للنمو، لأنّه عندما تُصبح ذكريات الماضي أعذب من أحلام المستقبل، ندخل في خطر الموت.
2. ينزع الحبّات المريضة ويبقي على الجيّدة. قد نجِد شخصًا زارع خصومات بين إخوة، أو شخصًا أنانيًّا لا يُفكِّر إلّا بِنفسه، أو شخصًا متكبِّرًا لا يعترف بخطئه ويرى الكلّ أغبياء، أو شخصًا لا يُطيع كلمة الربّ. فنُضطرّ لمعالجته، فنُنذِره أكثر من مرّة. لكن يأتي وقت نُضطرّ إلى أن ننزعه. يقول بولس: "الرجل المُبتدِع بعد الإنذار مرّةً ومرّتين، أَعرِض عنه" (تيطس 3: 10). ولدينا الكثير من آيات الكتاب التي تتكلَّم عن معالجة المريض، وإصلاح الذي وقع في زلّة.
سمعتُ عن موظَّف مهمّ في إحدى الشركات، لكنّه كان يخلق الفتن ويكذب ويزرع الخصومات. ولمّا كان مدير الشركة توافقيًّا، لا يُريد أن يُزعِل أحدًا من موظَّفي الشركة، تغاضى عن أخطاء ذاك الموظّف، فاستعفى معظم الموظفين الناجحين من عملهم في الشركة، ما اضطرّ مجلس الأمناء، ولو متأخّرًا، إلى طرد المدير والموظَّف السيّئ معًا.
3. ينزع البراعم الضعيفة: قبل البدء بهذه العملية، على الكرّام (القائد) أن يكون مُلِمًّا برسالته جيّدًا، وأن تكون رؤيته واضحة لِيُدرِك أيّ براعم ينزع. فالشجرة قد تُعطي أحيانًا براعم أكثر من طاقتها، ما يُجْبِر الكرّام على نزع الأقلّ جودة والإبقاء على الجيّد، لِيكون لها تأثير أكبر. (هناك أمور كثيرة جيّدة تمنعني من أن أتميّز في حياتي: مشاهدة الأخبار، زيارات، تسلية معيّنة، اجتماعات...)
أخيرًا، ماذا يجب علينا أن نفعل لنُثمر ونَثبُت في الكرمة؟ ما هي علامات الثبات في الكرمة؟ ونجد الإجابة على تساؤلاتنا في يوحنّا 15، ففي العدد 10 يقول: "إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبّتي، كما أنّي أنا حفظت وصايا أبي، وأثبن في محبَّته". وفي العدد 12 يقول: "هذه وصيّتي أن تُحِبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتُكم" وقد أوصى المسيح التلاميذ قائلًا: "أنا اخترتكم لِتَذهبوا وتأتوا بثمر..."، كما قال في مكان آخر: "اذهبوا تلمذوا جميع الأمم..." ويظهر ثمر حياتنا من خلال كرازتنا بالإنجيل، ومحبّتنا بعضنا لِبعض.
في الختام، على المسيحي أن يكون أوّلًا ثابتًا في الكرمة، حريصًا على الشركة مع المؤمنين، نقيًّا في تصرّفه وتفكيره. ثمّ أن يتحلّى بِصفتين أساسيَّتَين: المحبّة والتلمذة، ليطبع بهما كلّ عمل يقوم به. الموظَّف من خلال دوامه في وظيفته، وربَّة المنزل من خلال تربية أولادها، وربّ العمل من خلال إدارته لعمله وتعامله مع موظَّفيه وزبائنه، وراعي الكنيسة من خلال خدمته لرعيَّته وكنيسته... فعلى كلّ واحد منّا أن يُحْضِر في ذهنه كلّ ما يقوم فيه، ويتفحّص إن كانت أعماله، مهما كانت، مطبوعة بالمحبّة والتلمذة. واضعًا كلّ واحدٍ أمام عينيه أولويّة اعتماد كلّ عمل أو تصرّف يؤدّي إلى المحبّة والتلمذة.
فّلْنُصَلَّ.
الكلمة
عن هذه الخطة
يتطلَّب النجاح في الحياة مواقف جريئة، فالجرأة تُؤَثِّر، وتُغَيّر، وتُحقِّق نتائج ملموسة في الحياة، إذ يكون الشخص الجريء على استعداد للقيام بأمور تنطوي على مخاطر. في هذه الرحلة سنتعلم سوياً كيف يمكن أن نعكس محبتنا وإيماننا بالمسيح بجرأة.
More
نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/