سفر إشعيا ‮المقدمة‬

المقدمة
إشعيا كلمة تعني: الرّبّ يخلّص. ومعنى هذه الكلمة يلخّص مضمون هذا الكتاب. فالرّبّ هو إله الخلاص. ولكن الخلاص الّذي يحمله الرّبّ هو غير ما ينتظر البشر. لهذا يـبدو تعليم هذا الكتاب مدهشا. أما فصوله الستة والستون فتنقسم إلى ثلاثة أقسام، وتقابل ثلاث حقبات من تاريخ شعب الله.
القسم الأول:
(ف1‏—39) يرجع بنا إلى السنوات 407‏-700 برجالها وأحداثها. صار إشعيا حامل كلمة الله في أورشليم، في زمن مليئ بالخطر بسبب التوتر العام. كانت مصر الدولة العظمى في انحطاط؛ أما أشور فازدادت قوتها وهددت المنطقة كلها.
ونورد التواريخ التالية:
حوالى سنة 734، يوم كان أحاز ملكا في أورشليم، تحالفت عليه مملكة آرام (عاصمتها دمشق) ومملكة أفرايم (أي اسرائيل وعاصمتها السامرة) لتجبراه على الدخول معهما في حلف يقف بوجه مملكة أشور. هذا ما نسميه الحرب الآرامية الأفرايمية.
سنة 227‏-721 كانت نهاية مملكة الشمال، إذ سقطت عاصمتها السامرة على يد الأشوريـين الّذين سَبوا أهلها وأحلّوا محلّهم أناسا أغرابا.
سنة 701 وفي أيام الملك حزقيا حاصر الأشوريون أورشليم ومزّقوا مملكة يهوذا. ولم تنجُ أورشليم إلاَّ بسبب الوباء الّذي حلّ بالجيش الأشوري، هذه المؤامرة على الملك الأشوري، الّتي أجبرته على الرجوع إلى بلاده.
في خلال هذه المدة، بدا إشعيا المناضل الّذي لا يلين مزودا بقوة الله، وبدا تعليمه وكأنه يسير عكس التيار الجاري فيقول: إن التهديد الأشوري هو بمثابة تدخل الله ضد شعبه الخائن. يحتجّ على الطبقة الحاكمة الّتي تهتم بالترتيـبات السياسية، الّتي تخالف الحق والعدل في المجتمع. ويهاجم إشعيا الممارسات الدينية الّتي يحتمي وراءها الّذين يستغلون المساكين، ويقف ضد مظاهر العظمة وحياة الترف في مجتمع كثر فقراؤه. ولكن حين يقل الخطر نرى النبـي يقف ليزيل الخوف من القلوب، ويشجع الحكّام ويحثّهم على الدفاع عن الأرض.
في هذه الظروف كلها، يدعو إشعيا الناس إلى الإيمان ويقول لهم إن لم يكن فيهم إيمان فلن يكونوا في أمان. وهو يدعوهم إلى الثقة بمواعيد الله وبالوصايا الّتي أعطاها لشعبه، مشددا على الإيمان الّذي يثمر أعمالا في الحياة الاجتماعية والسياسية، كما في حياة الإنسان الخاصة.
يتألف هذا القسم من مجموعات تعاليم، ضمت بعضها إلى بعض بحسب مواضيعها لا بحسب تواريخها.
نقرأ في ف1‏:2‏-12؛ 28‏—33 تعاليم تـتعلق بمملكة يهوذا ومملكة إسرائيل أو أفرايم.
ونقرأ في ف13‏—39 أخبارا نجدها أيضا في كتاب الملوك، وهي تـتعلق بحزقيا الملك.
القسم الثاني:
(ف40‏—55) يُسمّى أيضا كتاب تعزية اسرائيل لأنه يـبدأ بهذه الكلمات: عزوا، عزوا شعبـي.
أما الوضع في هذا القسم فيختلف عنه في القسم الأول: حلّ البابليون محلّ الأشوريـين كقوة تهدد أمن المنطقة، فاستولوا على أورشليم سنة 587ق. م. وسَبوا السكان إلى جهات بابل.
وتساءل المسبـيون: أيكون دمار المدينة نتيجة انتصار آلهة بابل على إله إسرائيل؟ وعاش المنفيون بعيدا من الأرض الّتي أعطاها الرّبّ لهم. محرومين من الهيكل حيث يلتقون الرّبّ. عاشوا واليأس يسيطر عليهم، فتيقنوا أن الله تخلّى عنهم لأنهم تخلوا عنه.
فكتب النبـي إشعيا إلى هؤلاء الناس اليائسين يقول لهم: الله يرسل الملك كورش ليخلّص شعبه. وسترون تحريرا جديدا يذكركم بالخروج من مصر ويعيدكم إلى أرض الموعد. بما أن الله خالق العالم، فهو يقدر أن ينبـئ بهذه الأحداث ويحققها. أما آلهة الأمة المنتصرة فما هي بشيء.
وأدخل النبـي إشعيا في تعليم التعزية هذا، أربعة أناشيد تشير إلى شخص سري هو عبد يهوه، عبد الرّبّ (42‏:1‏-4؛ 49‏:1‏-6؛ 50‏:4‏-9؛ 52‏:13‏—53‏:12).
يرى فيه كتاب العهد الجديد رمزا ليسوع المسيح (رج أع 8‏:30‏-35).
القسم الثالث:
(ف56‏—66) يعود بنا إلى ما بعد الرجوع من السبـي. ففي سنة 538ق. م. أصدر كورش الملك الفارسي قرارا، يسمح بموجبه للمسبـيين بأن يعودوا إلى مدينتهم ويعيدوا بناء هيكلهم. واختار بعض المنفيـين طريق العودة. ولكنهم حين وصلوا أورشليم وجدوا حياة صعبة يحيط بها البؤس. وجدوا مدينة مهدومة وأرضا تملّكها الّذين لم يذهبوا إلى السبـي، وشعبا قليلا من المؤمنين، وحالة مادية فقيرة. كما انهم وجدوا الظلم الاجتماعي الّذي شجبه الأنبـياء يعود تدريجيا، وعبادة الأصنام تنمو تمشيا مع المحيط الوثني.
فجاء النبـي إشعيا وقدم نفسه كرسول روح الرّبّ، ليحمل البشارة السارة إلى المساكين أو ليهتم باليائسين (61‏:1). وحين يأتي يسوع سيجد في كلمات النبـي برنامجا يتممه بنفسه (لو 4‏:16‏-21).

تمييز النص

شارك

نسخ

None

هل تريد حفظ أبرز أعمالك على جميع أجهزتك؟ قم بالتسجيل أو تسجيل الدخول