رسالة يعقوبعينة
اليوم 03: الحكمة والطاعة - يعقوب 1: 19 - 2: 26
يُنَاقِشُ يَعْقُوبُ مَوْضُوعَ الْحِكْمَةِ وَالطَّاعَةِ فِي ثَلاثِ خَطَوَاتٍ أَسَاسِيَّةٍ. فَيَبْدَأُ فِي 1: 19-27 بالحديث عَنْ أهَمِّيَّةِ الْعَمَلِ، بَدَلاً مِنْ الْاكْتِفَاءِ بِالْاِسْتِمَاعِ أوْ التكلّم.
ليس سَمَاعُ الِكَلِمَةِ ببساطة أمْراً جَيِّداً بِمَا فيه الكفاية. فَكَلِمَةُ الْحِكْمَةِ الْآتِيَةِ مَنْ اللهِ يَنْبَغِي أنْ تَقُودَ أيضًا إلَى الطَّاعَةِ الْأمِينَةِ. خلاف ذلك، نحن نَخْدَعُ أنْفُسَنَا.
تَوَقَّعَ يَعْقُوبُ أنْ يتجاوز قُرَّاؤُهُ سَمَاعَ كَلِمَةِ اللهِ. فَقَدْ تَوَقَّعَ أنْ يَضَعُوا إيمَانَهِمْ مَوْضِعَ التَّنْفِيذِ العملي. وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمَوْضُوعُ بَالِغَ الْأهَمِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِيَعْقُوبَ، بِحَيْثُ، مَعْ أنَّهُ نَاقَشَهُ بِشَكْلٍ رَئِيسِيٍّ فِي الأصحاحين 1 و2، عَادَ إلَيْهِ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ فِي كل الرِّسَالَةِ. فَمَثَلاً، فِي 3: 13، يظَهَرُ ثانية منظور يَعْقُوبَ الْأسَاسِيَّ بِشَأنِ الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالطَّاعَةِ.
فِي 1: 27 هَذَا الْقِسْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْحَاجَةِ لِلْعَمَلِ، بتلخيصه للتَّقْوَى الْحَقِيقِيَّةِ أوْ الدِّيَانَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التمهيدية إلَى الْعَمَلِ، تَوَسَّعَ يَعْقُوبُ في الْحَدِيثَ عَنْ الصلة بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالطَّاعَةِ بِالتَّرْكِيزِ عَلَى مُشْكِلَةِ الْمُحَابَاةِ، فِي 2: 1-13.
وَاضِحٌ أنَّ بَعْضَ قُرَّاءَ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ كَانُوا يُحَابُونَ الْأغْنِيَاءِ، وَيَتَجَاهَلونَ الْفُقَرَاءَ. وَفِي هَذَا الْقِسْمُ، يُعَالِجُ يَعْقُوبُ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ بِدَعْوَتِهِمْ أن يولوا الْاِنْتِباهِ الّلائِقِ وَالصَّحِيحِ إلَى مَا دَعَاهُ "النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ".
يعد إهْمَالُ الْفُقَرَاءِ لِحِسَابِ الْأغْنِيَاءِ في الأساس إخْفَاقًا فِي حِفْظِ وَصِيَّةِ "تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ". وَقَدْ عَلَّمَ يَعْقُوبُ أنَّ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَجَنَّبُوا خَطِيَّةَ الْمُحَابَاةِ مِنْ خِلالِ حِفْظِ النَّامُوسِ الْمُلُوكِيِّ.
تركّز رِسَالَةَ يَعْقُوبَ بِإيجَابِيَّة عَلَى نَامُوسِ اللهِ. فَيَرَى يَعْقُوبُ أنَّ النَّامُوسَ يُعَلِّمُنا أنْ نهتم ببَعْضُنَا البَعْضٍ، وَأنْ نُشْفِقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، ونَتَجَنَّبَ الْمُحَابَاةَ، وَكُلَّ مَا شَابَهَهَا. وَلَكِنْ يُمْكِنُ إساءة استخدام هَذِهِ النَّظْرَةِ الْإيجَابِيةِّ إنْ لَمْ نَكُنْ حَذِرِينَ. فَكَثِيرَاً مَا يُشِيرُ الْمَسِيحِيّونَ في العصر الحديث إلَى كيفية اِسْتِخْدَامِ نَامُوسِ اللهِ، باطلًا، كَوَسِيلَةٍ لِمُحَاوَلَةِ تبرير أنفسنا أمَامَ اللهِ بِأعْمَالِ بِرِّنَا. وَنَحْنُ مُحِقُّونَ فِي رَفْضِ إسَاءَةِ اِسْتِخْدَامِ نَامُوسِ اللهِ هكذا. وَلَكِنْ، في الْمُقَابِلِ تركّز رِسَالَةُ يَعْقُوبُ عَلَى وجه آخر لِلنَّامُوسِ. فَقَدْ عَلَّمَ يَعْقُوبُ أنَّهُ فِي حِينَ لا أحد يُمْكِنَهُ أنْ يَتَبَرَّرَ بِالنَّامُوسِ، لكنَّ نَامُوسَ اللهُ هُوَ مَصْدَرُ الْحِكْمَةِ لنا. وَعَلَيْنَا أنْ نَحْيَا في طاعة له. بالطبع نَحْنُ لا نُطِيعُ النَّامُوسَ كَمَا لَوْ كُنّا مَا نَزَالُ نَعِيشُ فِي زَمَنِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. فَعَلَيْنَا دَائِمَاً أنْ نُطَبِّقَ نَامُوسَ اللهِ فِي ضَوْءِ الْمَسِيحِ وَتَعَالِيمِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَلَكِنَّ من آمنوا بالْمَسِيحِ لنَوَالِ خَلاصِهِمْ، يُطِيعُونَ النَّامُوسَ تَعْبِيراً عَنْ اِمْتِنَانِهِمْ للهِ، لِأنَّهُ إعْلانٌ عن حِكْمَةِ اللهِ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى، يُرَدِّدُ يَعْقُوبُ صَدَى كَلِمَاتِ المزمور 19: 7.
بَعْدَ أنْ استعرض يَعْقُوبُ أهَمِّيَّةِ الْعمَلِ تَجَاوُبَاً مَعَ كَلِمَةِ الْحِكْمَةِ ومُقَاوَمَةِ الْمُحَابَاةِ بِإطَاعَةِ نَامُوسِ اللهِ الُمُلُوكِيِّ، يتناول العَلاقَةِ بين الْإيمَانِ والطَّاعَةِ فِي 2: 14-26.
فبِحَسَبِ يَعْقُوب، ليس إيمَانَ الْإنْسَانِ بِالمُعْتَقَدَاتِ الصَّحِيحَةِ كَافِياً. فَالْإيمَانُ الَّذِي لا يَظَهَرُ فِي الطَّاعَةِ مَيِّتٌ. إنَّهُ لَيْسَ إيمَاناً خَلاصِيّاً حَقِيقِيّاً.
رَبَطَ يَعْقُوبُ بَيْنَ الْحِكْمَةِ الَعَمَلِيَّةِ وَالْإيمَانِ. أوَّلًا، يَشْرَحُ يَعْقُوبُ الْعَلاقَةَ بَيْنَ الْإيمَانَ وَالْأعْمَال، وَثَانِيًا يَشْرَحُ الْعَلاقَةَ بَيْنَ الْإيمَانِ وَالتَّبْرِيرِ.
كَانَتْ مَسْألَةُ هوية مَنْ يَتَبَرَّرُ، أو يَصِيرُ بَارًّا أمَامَ اللهِ، مَحَلَّ جَدَلٍ وَسَطَ الْمُعَلِّمِينَ الْيَهودِ في زَمَن يَعْقُوب. وَقَدْ اِسْتَمَرَّ هَذَا الأمر مَوْضُوعًا مَرْكَزِيًّا فِي الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ في الْقَرْنِ الْأوَّلِ. فمَنْ هو الَّذِي يُحْسَبُ بَارًّا؟ مَنْ يُعْتَبَرُ بَارًّا؟
يُجِيبُ يَعْقُوبُ عَنْ هَذِهِ الْأسْئِلَةِ فِي 2: 21-24. يَتَكَلَّمُ يَعْقُوبُ هُنَا عَنْ التَّبَرُّرِ مُسْتَخْدِماً الْفِعْلُ الْيُونَانِي دِيكَايُوُو [δικαιόω]، الَّذِي يَعْنِي "يُعْلِنُ بَارًّا" أوْ "يُبَرِّرُ" أوْ "يُبْرِّئُ". وَهُوَ يُؤكِّدُ هُنَا عَلَى أنّ إبْرَاهِيِمَ قد تَبَرَّرَ أوْ تَبَرَّأ كبارٍ بِالْأعْمَالِ، أي بِعَمَلِ تَقْدِيمِهِ اِبْنَهُ إسْحَاقَ للهِ كما جاء فِي سفر التكوين 22. وَعَلَى هَذَا الْأسَاس، اِسْتَنْتَجَ أنَّ لا أحدَ يَتَبَرَّرُ أوْ يَتَبَرَّأ بِالْإيمَانِ وحده. فَكُلُّ مَنْ يَقْبَلَهُ اللهُ بِصِفَتِهِ بَارًّا يَتَبَرَّرُ بِالْأعْمَالِ. وَبَعْدَّ أنْ حَثّ يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ عَلَى أنْ يَحْيَوا حَيَاةَ الَّطَاعَةِ، رَّكِّزُ اِهْتِمَامَهُ عَلَى الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالسَّلامِ وَسْطَ أتْبَاعِ الْمَسِيحِ.
إن مَا يَبْدُو تَنَاقُضًا بَيْنَ بُولُس وَيَعْقُوب حَوْلَ قضية التَّبْرِيرُ بِالْإيمَانِ وحده هُوَ في الحقيقة الْقَضِيَّةُ الرَّئِيسِيَّةُ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوب، حَسَبَ اعْتِقَادِي. فهي تظهر فيه. وَرُبَّمَا لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ فِي هَذِهِ الرَّسِالَةِ تم الكتابة عنها أكثر من أي موضوع آخر بِقَدْرِ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ المحددة. أُرِيدُ أوَّلًا أنْ أقُولَ إنَّ الْكَلِمَةَ الْيُونَانِيَّةُ دِيكَايُوو تَعْنِي أحياناَ "فعل التَّبْرِيرِ". وَلِتَبْسِيطِ هَذَا أقُولُ إنَّ التَّبْرِيرَ هُوَ بِمَثَابِةِ وَجْهَيْنِ لِعُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَمِنْ نَاحِيَةٍ، تجد الغُفْرَان، أي أن اللهِ يغفر لنا، وَهَذِهِ هِيَ نَاحِيَةُ الاقتطاع. وَمِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى نجد الْإضَافَةِ، الَّتِي هِيَ حُسْبَانُ الْبِرِّ. ومن هذا يأتي ذلك الْإعْلانَ: "أنْتَ مُبَرَّرٌ أمَامِي". وَهَكَذَا، نَحْنُ مُتبَرّرُونَ بِالْإيمَانِ، وهَذِهِ إحْدَى استخدامات كلمة "التَّبْرِيرْ". وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، يُمْكِنُنَا أنْ نَسْتَخْدِمَ الْكَلِمَةُ "تَبْرِيرْ" بِمَعْنَى "التبرئة" أو "اظهار البر". وَهَكَذَا، يَسْتَخْدِمُ بُولُسُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِالْمَعْنَى الْقَضَائِيِّ، بَيْنَمَا يَسْتَخْدِمُهَا يَعْقُوبُ بِمَعْنَى قدوة بالْأعْمَالِ، أيْ بِمَعْنَى إظْهَارِ الْإنْسَانِ لِحَقِيقَةِ كَوْنِهِ بَارًّا. وَبإختصار، نَقُولُ إنَّ اسْتِخْدَامَ بُولُسُ لِلتَّبْرِيرِ هُوَ لِلْإشَارَةِ إلَى أَولِويَّةِ الْإيمَانِ، بَيْنَمَا يَعْقُوبُ يَنْظُرُ إلَى التَّبْرِيرِ باعتباره أمرًا يلي التَّجْدِيدِ، أو بِصِفَتِهِ برهانًا لِلْإيمَانِ. وَلِذَا فَإنَّ سُؤالَ يَعْقُوبُ هُوَ: "مَنْ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُعْتَبَرَ بَارًّا؟ هَلْ هُوَ من يَقُولُ إنَّهُ يُؤمِنُ بِاللهِ، أمْ من يَحْيَا حَيَاةً مَبْنِيَّةً عَلَى أسَاسِ اعْتِرَافِهِ وَإيمَانِهِ بِاللهِ؟" وَبِالنِّسْبَةِ لِبُولُسَ وَيَعْقُوبَ، يَنْبَغِي لِلْإيمَانِ أنْ يَعْمَلَ. هَلْ أقُولَهَا ثَانِيَةً: يَنْبَغِي لِلْإيمَانِ أنْ يَعْمَلَ. يَنْبَغِي أنْ يُثْمِرَ. يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَرْئيًّا. الْإيمَانُ الشفهي لَيْسَ كَافِيًا، وَالْإيمَانُ العقلي لَيْسَ كَافِيًا. فَيَنْبَغِي أنْ يَتَحرَّكَ الْإيمَانُ وَيَعْمَلَ. فهو يَحْتَمِلُ التجارب، وَيُطِيعُ كَلِمَةُ اللهِ، وَيُثْمِرُ أناسًا عامِلِينَ بِالكلِمَةِ، وَلا يحابي، ويلجم اللِسَانِ، ويتصرف بِحِكْمَةٍ، ويمد بالقُوَّةً لِمُقَاوَمَةِ إبْلِيسَ، وَالْأهَّمُ أنَّهُ يَنْتَظَرُ بأناة مَجِيءَ الرب. وَقَدْ عَلَّمَ كُلٌّ مِنْ بُولُسَ وَيَعْقُوبَ الْأمْرَ ذاته تَمَامًا.
— لاري واترز
عن هذه الخطة
إن رسالة يعقوب هي رسالة عمليّة للغاية لقرّائها في أي زمان. فقد اعترف قرّاء يعقوب الأصليّين بإيمانهم بالمسيح، ولكن لم يكن العديد منهم يعيشون الحياة التي تعكس إيمانهم. وللتعامل مع هذا التفاوت، تناول يعقوب قضايا حياتيّة حقيقيّة مازالت تخاطبنا اليوم. تنظر هذه الخطة إلى خلفية رسالة يعقوب، وبنيتها، ومحتواها، كما تبحث في الحكمة والتعليم العملي في رسالة يعقوب الذي لا يزال وثيق الصلة بالقرّاء المعاصرين.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: http://arabic.thirdmill.org |