Covered by Creative Commons Attribution no Derivatives Licence, (http://al-kalima.com/content/in-translation/licence.html)

المعنى الصحيح لإنجيل المسيح

في البَدءِ، قَبلَ خَلقِ الكَونِ، كانَ الكَلِمةُ - كَلِمةُ الله.
وكانَ الكَلِمةُ مَعَ اللهِ، وكانَ قائِمًا في ذاتِ اللهِ.
قَبلَ خَلقِ الكَونِ كانَ كَلِمةُ اللهِ الأزليّ عِندَ اللهِ.
وبِهِ أبدَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ في الكَونِ
فلا شَيءَ مَوجودٌ بلا كَلمةِ اللهِ.
فيه كانَتِ الحَياةُ، فأنارَت الحَياةُ كُلَّ البَشَر.
ولم يَزَل نورُها مُشِعًّا في الظّلامِ
لأنّ الظّلامَ لا يَستَطيعُ حَجبَ النُّور.

بَعَثَ اللهُ رَسولاً اسمُهُ يَحيى (عليه السّلام)
جاءَ لِيُخبِرَ النّاسَ بِصِفاتِ ذلِكَ النُّورِ
ويَقودَ النّاسَ إلى طَريقِ الإيمانِ بذلِكَ النُّور.
لم يَكُن هو ذلكَ النّور، أو ذلِكَ الكلِمة،
بل جاءَ ليَشهَدَ بِهِ ولهُ ويُشهِدَ عليهِ الخَلائقَ.
فنُورُ الحَقِّ، أي كَلِمةُ اللهِ المُنيرُ قُلوبَ جَميعِ الخَلائِقِ
كانَ يُوشِكُ أن يَظهَرَ في الدُّنيا.

وكانَ في الدُّنيا، وبِهِ تَكوَّنَ العالمُ،
ولكنّ أهلَ العالَمِ لم يُدرِكوا حَقيقةَ الكَلِمة
عِندَما استحَالَ إلى كَينونةِ عيسى (سلامُهُ علينا)، ولم يَعرِفوهُ.
جاءَ إلى شَعبِهِ، إلاّ أنّ شَعبَهُ لم يَحفَلْ بِهِ.
وأمّا الّذينَ استَجابوا لهُ وآمَنوا بِهِ
فقد مَنَحَهُمُ الحَقَّ في أن يَكونوا عِيالَ اللهِ.
ولَيسَت هذِهِ البُنُوَّةُ ذاتَ طَبيعةٍ بَشَريّةٍ،
بل إنّ اللهَ هو مَن أسبَغَ عليهِم تِلكَ الصِّفةَ
فجَعَلَهُم عِيالَهُ.

واستحالَ الكَلِمةُ إلى كائنٍ بَشَريٍّ
وعاشَ في الدُّنيا بَينَنا
ورأينا عَظَمةَ شَأنِهِ،
الّتي تَتَناسَبُ مَعَ مَكانَتِهِ بما أنّهُ الابنُ الرُّوحيُّ الفَريدُ للهِ الأبِ الرَّحيمِ،
المُجَسِّدِ لرَحمةِ اللهِ الفائقةِ وفيهِ تَحقيقٌ لوَعدِ اللهِ الحَقِّ وفَضلِهِ.
وجاءَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) مُبَشِّرًا بقُدومِ هذا الرَّسولِ،
مُجاهرًا في مَنِ اجتَمَعوا حَولَهُ:
"هَذا هو الَّذي أنبأتُكُم بقُدومِهِ،
عِندَما قُلتُ لكُم إنّهُ أعظَمُ مِنّي قَدرًا،
لأنّهُ كانَ مَوجودًا قَبلَ أن أولَدَ".

ونحنُ جَميعًا نِلنَا البَرَكاتِ مِن فَيضِ فَضلِهِ
إضافةً إلى ما كُنّا قد نِلناهُ مِن بَرَكاتٍ في القَديمِ.
فلئن جاءَ النَّبيُّ موسى (عليه السّلام) بالتَّوراةِ،
فإنّ رَحمةَ اللهِ وأمَانتَهُ في تَحقيقِ كُلِّ وُعُودِهِ
قد حَصَلنا عليهِما مِن خِلالِ سَيّدِنا عيسى المَسيحِ (سلامُهُ علينا).
فما مِن أحَدٍ حَظِيَ برُؤيَةِ اللهِ قَطعًا،
أمّا الابنُ الرُّوحيُّ الفَريدُ لهُ تَعالى،
المُقَرَّبُ للهِ الأبِ الصَّمَد،
فقد جاءَ ليُعرِّفَنا بذاتِهِ تَعالى.

وبَعَثَ قادةُ اليَهودِ في القُدسِ ببَعضِ الأحْبارِ وبَعضِ خُدّامِ بَيتِ اللهِ إلى النَّبيِّ يَحيى (عليه السّلام) ليَسألوهُ مَن يَكونُ. فلم يَتَرَدَّدْ في الإجابةِ، بل شَهِدَ لهُم شَهادةً صَريحةً: "أنا لَستُ المَسيحَ المُنتَظَرَ". فتابَعوا سائلينَ: "فمَن تَكونُ إذن؟! أأنتَ النَّبيُّ إلياسُ وقد عادَ مِن غَيبتِهِ؟" فأجابَهُم نافيًا ذلِكَ. ثُمَّ أضافوا: "أفأنتَ ذاكَ النَّبيُّ الّذي وَعَدَ بِهِ موسـى؟" فأجابَهُم نافِيًا، لكنّهُم ألَحّوا في السُّؤالِ قائلينَ: "قُل لنا مَن أنتَ حتّى نُجيبَ مَن أرسَلونا. ماذا تَقولُ عَن نَفسِكَ؟" فأجابَهُم: "أنا مَن تَحَدَّثَ عَنهُ النَّبيُّ أَشَعيا بقولِهِ: صَوتٌ مُنادٍ في البَرارِي: مَهِّدُوا الطَّريقَ أمامَ مَولاكُم". ثُمَّ سألَهُ بَعضُ المُتَشدِّدينَ مِمَّن كانوا مِن بَينَ المَبعوثِينَ: "إن لم تَكُنِ المَسيحَ المُنتَظَرَ، ولا النّبيَّ إلياس، ولا حتّى النّبيَّ الّذي وَعَدَ بِهِ سَيِّدُنا موسى، فبأيِّ حقٍّ تَدعُو النَّاسَ إلى التَّطَهُّرِ بالماءِ؟!" فأجابَهُم: "ها أنتُم ترَونَني أُطَهِّرُ النّاسَ بالماءِ، لكِن هُناكَ بَينَكُم مَن لا تَعرفونَهُ، الآتي مِن بَعدي والّذي سيَكونُ لهُ شأنٌ عَظيمٌ حتّى إنّني لا أستَحِقُّ أن أكونَ عَبدَهُ وأفُكَّ رِباطَ حِذائِهِ". جَرَى كُلُّ هذا في قَريةِ بَيتِ عَنْيا في شَرقِ نَهرِ الأُردُنّ حَيثُ كانَ يَحيى (عليه السّلام) يُطَهِّرُ النّاسَ في ماءِ ذلِكَ النَّهر.

وفي اليَومِ التّالي رأى النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) مُقبِلاً عليهِ فقالَ لِمَن حَولَهُ: "اُنظُروا، هوذا الذِّبحُ العَظيمُ المُرسَلُ مِن اللهِ ليُزيلَ عن البَشَرِ ذُنوبَهُم، هوذا مَن حَدَّثتُكم عَنهُ عِندَما قلتُ: يَجيءُ مِن بَعدِي مَن هو أرفَعُ مِنّي شأنًا، فهو المَوجودُ قَبلي، وإنّني لم أكُن أعرِفُ مَن سيَكونُ، ولكنَّ اللهَ أرسَلَنِي لِتَطهيرِ النّاسِ بالماءِ في انتِظارِ أن يَكشِفَ هويّتَهُ لي، حتّى أكشِفَها لِبَني يَعقوبَ".
وتابَعَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) شَهادتَهُ قائلاً: "رأيتُ هُبوطَ رُوحِ اللهِ مِنَ السّماءِ كحَمامةٍ لتَستقِرَّ على عِيسَى (سلامُهُ علينا)، ولم أكُن أدري أنّ هذا الشَّخصَ هو المَسيحُ المُنقِذُ، إلاّ أنّ اللهَ الّذي أرسَلَني لِتَطهيرِ النّاسِ بالماءِ أوحَى إليّ: "عِندَما تَرى رُوحَ اللهِ تَنزِلُ على شَخصٍ وتَحِلُّ فيهِ، فاعلَم أنّهُ مَن سيُطَهِّرُ النّاسِ بِرُوحي المُقَدَّسة". وقد تَحَقّقتُ مِن ذلِكَ بنَفسي، لذا أشهَدُ أنّهُ صَفيّ اللهِ".

وفي اليومِ الثّاني كانَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) واقِفًا في المَكانَ ذاتِهِ مَعَ اثنينِ مِن أتباعِهِ، فرأى سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) مارًّا فقالَ: "انظرُوا! هذا هو الذِّبحُ العَظيم!" فسَمِعَ تابِعاهُ كَلامَهُ وسارا خَلفَ عِيسَى (سلامُهُ علينا)، والتَفَتَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) ورآهُما يَقتفِيانِ أثرَهُ فسألَهُما: "ما خَطبُكُما؟" فأجاباهُ: "يا سَيِّدَنا، أخبِرنا أينَ تُقيمُ؟" فأجابَهُما قائلاً: "تَعاليا واُنظُرا". وهكذا فَعَلا، فعَرَفا مَكانَ إقامتِهِ (سلامُهُ علينا)، وقد كانَ الوَقتُ نَحوَ الرّابعةِ عَصرًا، وبَقِيا مَعَهُ في ذلِكَ اليومِ. وكانَ أَنْدَرَاوس (وهو أخُ سمْعانَ بُطرس) أحَدَ التّابعَيْن اللّذَينِ كانا قد سَمِعا ما أخبَرَ بِهِ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام)، وتَبِعَا سَيّدَنا عِيسَى (سلامُهُ علينا). وراحَ أَندَرَاوس إلى أخيهِ بُطرُس ليُخبِرَهُ قائلاً: "لقد تَعَرَّفنا على المَسيحِ مُنقذِ قَومِنا!" وأخَذَهُ إليهِ. وعِندَما وَصَلا إليهِ حَدَّقَ إلى بُطرُسَ وقالَ لهُ: "اسمُكَ سَمعانُ بنُ يوحَنّا، إلاّ أنّني سأدعُوكَ بُطرُسَ (أي صَخر)".
وعَزَمَ سَيّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) في اليومِ التّالي على الذَّهابِ إلى مِنطقةِ الجَليل، فصادَفَ شَخصًا اسمُهُ فِيلِيبَ، فقالَ لهُ: "تَعالَ وكُن مِن أتباعي". وقد كانَ فيليبُ هذا مِن قَريةِ بَيتِ صَيدا، وهي قَريَةُ أندراوسَ وبُطرُسَ الصَّخر أيضًا. ومَضى فِيليبُ فوَجَدَ نَثْنائِيل فأخبَرَهُ قائلاً: "قد تَعَرَّفنا بالمَسيحِ المُنتَظَرِ الّذي أخبَرَ عَنهُ النَّبيُّ موسى في التّوراةِ، وكذلِكَ الأنبياءُ في كُتُبِهِم، إنّهُ عِيسَى بنُ يوسف مِن قَريةِ النّاصرة." فقالَ نَثْنائِيل: "أتَقولُ مِن النّاصِرة؟! وهل مِن شَيءٍ صالحٍ يأتي مِن النّاصِرة؟" فأجابَهُ فِيليبُ: "تَعالَ وانظُر". وعِندَما أقبلا على سَيِّدِنا عِيسَى (سلامُهُ علينا)، نَظَرَ إليهِ وقالَ: "حقًّا، هذا رَجُلٌ مِن بَني يَعقوبَ صادقٌ غَيرُ مُخَادِع". فقالَ نَثْنائِيل: "وكَيفَ عَرَفتَني؟!" فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): "قد رَأيتُكَ جالسًا تَحتَ شَجَرةِ التِّينِ قَبلَ أن يَدعُوكَ فِيليبُ". فقالَ نَثنائيلُ: "أيا مَولانا، إنَّكَ حقًّا الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، أنتَ المَلِكُ الّذي يَنتَظِرُهُ بَنو يَعقوبَ!" فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): "هل آمنتَ بي لمُجَرّدِ أن أخبَرتُكَ أنّني رأيتُكَ تَحتَ شَجَرةِ التِّينِ؟ سَوف تَشهَدُ ما هو أعظَمُ مِن ذلِكَ وأبهَى! الحقَّ أقولُ لكُم، سترَونَ السَّماءَ في رُؤيا وقد انشَقَّت ومَلائكةَ اللهِ صاعدةٌ هابِطةٌ على سَيّدِ البَشَر".

بشنويد يوحنّا 1