سفر الرؤياعينة

سفر الرؤيا

يوم 7 من إجمالي 30

اليوم 7: الخلفية الأدبية (النبوة)

يحتوي الكتابُ المقدسُ على الكثيرِ من أنماطِ، أو أنواعِ الأدبِ مثلَ: التاريخِ القَصَصي، والشريعةِ، والشعرِ، والأدبِ الحكمي، والرسائلِ، والنبوةِ وغيرِها. كلُّ نوعٌ من أنواعِ الأدبِ له اصطلاحاتُه وأساليبُه في الاتصال. فالتاريخُ القَصَصي ينقلُ الرسالةَ بطريقةٍ أكثرَ وضوحاً من الشعر. والرَسائلُ أسلوبُها مُباشِرٌ أكثرَ، وغالباً ما تُخبرُ قراءَها كيف يُطبِّقون التعاليمَ الكِتابيةَ على الظروفِ المحدَّدة.

ومن المهمِّ أن نُبقيَ فروقاً من هذا النوعِ في أذهانِنا ونحن نقرأُ الكتابَ المقدس. على أيِّ حال، من السهلِ أكثرَ أن نفهمَ ما يعلِّمُه مقطعٌ ما، إن نحنُ فهِمنا أولاً كيف يعلِّمُه. لذلك، كي نفهمَ كتابَ الرؤيا، فإن أحدَ الأمورِ الهامةِ التي يجبُ أن نفعلَها هي تحديدُ نوعِ أدبِه بِشكلٍ صحيح.

ويُمكنُ تعريفُ نوعِ أدبِ كتاب الرؤيا بصورةٍ عامة بـالنبوة. في الواقع، دعاهُ الرسولُ يوحنا بالتحديدِ نبوةً في الرؤيا ١: ٣. وكما رأينا، تتضمنُ النبوةُ الكتابيةُ أحياناً تنبؤاتٍ عن المستقبل. لكن أكثرَ من أي شيءٍ آخر، النبوةُ هي رسالةٌ من اللهِ إلى شعبِه تَحُثُهم على الأمانة.

سنفحصُ نوعَ الأدبِ النبويِّ الكتابيِّ بطريقتَين: أولاً، سننظرُ في خصائصِه. وثانياً، سننظر ُفي أنواعٍ مختلفةٍ من إتمام النبوةِ الموجودةِ في الكتابِ المقدس. 

1) خصائص النبوة:

للنبوةِ الكتابيةِ خصائصُ عديدةٌ مختلفة ولا يوجدُ عندنا الوقتُ لنذكرَها كلَّها. لذلك، سنركِّزُ فقط على اثنتينِ من أوجُهِ النبوةِ الأبرز، مُبتدئينَ بـأنواعِها النموذجية.

لما كان كتابُ الرؤيا ينتمي إلى نوعِ الأدبِ النبوي، من المفيدِ بالنسبةِ إلينا أن نلخِّصَ بعضَ الأشكالِ النموذجيةِ للنبوةِ الموجودةِ في العهدِ القديم. فالنبوةُ في العهدِ القديمِ يُمكنُ أن تكونَ رسالةَ توبيخٍ لشعبِ الله، أو تنبؤاً عن بليّةٍ أو دينونةً على الأعداء، أو إعلاناً عن بركة بسبب الطاعة، أو وعداً برفع وجه حافظي العَهد الأُمناء، أو إعلاناً عن خِطة الله الفدائية، أو صَلاةً أو حَديثاً بين النبي والله، وأحياناً تنبؤاً عن الأحْداثِ المُستقبَلية.

أحدُ أكثرِ أشكالِ النبوةِ شيوعاً هو الدعوى القضائية، حيث نجدُ استخداماً للّغة القانونِية في المَحكمة. نموذجيّاً، يُصوَّرُ اللهُ وهو يَستدعي إسرائيلَ العاصيةَ إلى المَحكمةِ لتُحاكم. وهذه الدَعاوى تُشدِّدُ عادَةً على لُطفِ اللهِ وتَتوعَدُ بالدَينونَةِ إن استمرَتْ إسرائيلُ في عِصيانِها. وهي تَعِدُ أحياناً بمكافأةِ الأمانَةِ والتَوبةِ بالبرَكات. وكثيراً ما تردُ التنبؤاتُ عن المُستقبلِ في سِياقِ تلكَ التَهديداتِ بالدَينونةِ والعُروضِ بالبَركة، مما يعني أن النُبواتِ كانت مَشروطةً بتَجاوِبِ الناسِ مع النُبوَة.

من عدةِ نواحٍ، لَعبتْ نُبواتُ يوحنا في كتابِ الرُؤيا دَوراً مُشابِهاً لنُبواتِ العَهدِ القَديم.

سِمةٌ ثانِيةٌ من سِماتِ النُبوةِ في العَهدِ القَديم، هي استخدامُها الصورَ المجازيةَ بِكَثرةٍ في نَقلِ رسالتِها. يُمكنُ للتعبيرِ صورٌ مجازيةٌ أن يكونَ له معنىً واسعٌ. لكن عندما نستَخدِمُه في وَصفِ النبوة، فنحنُ نشيرُ إلى اللغةِ التي تَصِفُ الأشياءَ بِطرُقٍ تشجِّعُ على الاختباراتِ الحِسيةِ الخَيالية. في الأساسِ، تُشدِّدُ الصورُ المجازيةُ على الطُرقِ التي يُمكنُ أن نَتخيَلَ من خِلالِها رؤيةَ الأشياء، وسَماعَها، وتذوقَها، أو لمسَها.

على سبيلِ المِثالِ، في إرميا ١٨ استخدمَ النبيُّ إرميا صورةَ الْفَخَّارِيِّ وهو يشكِّلُ قطعةَ طينٍ ليبيّنَ أن للهِ الحقَ في تَشكيلِ إسرائيلَ بالطريقةِ التي يُريد.

وفي حِزقيال ٣٧، استخدمَ حِزْقِيَالُ صورةَ الوادي المليءِ بالعِظامِ اليابسةِ ليصِفَ الموتَ الروحيَ لشِعبِ الله. ثم جَلبَ لهُم الأملَ عن طريقِ شَرحِه بأنَ العِظامَ عادَتْ واجتمعَت معاً لتُشكِّلَ بَشراً أحياءَ من جَديد. كذلك يَستخدمُ كتابُ الرؤيا المَجازَ كثيراً. انظر كيفَ وَصَفَ يوحنا يسوعَ في كتابِ الرؤيا ١: ١٥-١٦:

وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ.‏ وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.

هذه الصورُ الجميلةُ عن يسوعَ تشدِّدُ على قُوتِه وسُلطانِه العَظيمَين. فصوتُه كصوتِ شَلالِ مياهٍ هادِر؛ وهو يحمِلُ بينَ يدَيه سبعةَ كواكِب، تَرمزُ إلى السُلطانِ المَلكي؛ ووجهُه يُضيءُ كالشَمس، إشارةً إلى إنارتِه للعالم.

ونجِدُ صُوَراً مُماثلةً في كلِ كِتاب الرؤيا. فنَحنُ نَقرأُ عن وحوشٍ بِعِدَةِ رؤوسٍ لها قرونٌ وتيجان، وملائكةٍ مع أبواق، وكؤوسٍ، وترانيمَ، وصَرخاتٍ تُطالبُ بالانتقام، وتذوُّقِ أسفارٍ وأكلِها، وأفراسٍ وفرسان، وجبال، وحتى عن مدينةٍ نازلةٍ من السماء. في الواقع، من الصَعبِ أن نَجدَ مَقطعاً في أي مكانٍ في كتاب الرؤيا لا يَتضمنُ نوعاً من المجاز.

يستمدُ كتاب الرؤيا الكثيرَ من الصُورِ المجازيةِ من العهدِ القديم. وهذا يعني أنَّ إلمامَنا بنبواتِ العهدِ القديمِ يُمكنُ أنْ يساعدَنا على التعرّفِ على الصورِ المجازيةِ في كتابِ الرؤيا. وأكثرُ من ذلك، يمكنُ أن يساعدَنا على تفسيرِ الصوَرِ المَجازيةِ في الرؤيا انطلاقاً من كونِ الرؤيا والعهدِ القَديم غالباً ما يستخدمان الصورَ ذاتَها وبالطرقِ ذاتِها.

الاعتراف بالصور المَجازيةِ في سفرِ الرؤيا لا يعني أنه يَجبُ أن نفسّر الرؤيا مجازيّاً، أو إعطاءُ الكِلماتِ صبغة روحيةً. بالعكس، فإنَّ التعرُّفَ على السِماتِ الأدَبيةِ مثلِ الصورِ المَجازيةِ هو جُزءٌ من المَسارِ الطَبيعي للتَفسيرِ بناءً على قواعدِ اللُغَةِ والتاريخ. في النِهاية، لو أرادَ يوحنا أن يَتكلمَ مَجازيّاً، فَسيكونُ خَطأً كبيراً أن نُفسِّرَ كلماتِه بصورةٍ حَرفيةٍ جامدة. تقر القراءةُ المَسؤولةُ لسفرِ الرؤيا بِصوَرِه وتُفسِّرُها وِفقاً للاصطلاحاتِ الأدَبيةِ الطَبيعية.

2) إتمام النبوات:

إتمامُ النبواتِ هو موضوعٌ شائكٌ جدّاً. لكن لأهدافِ درسِنا، نَتناولُ ثَلاثةَ أنواعٍ من الإتمامِ النَبوي. أولاً، يُمكنُ للنُبواتِ أن تَتِمَّ بصورةٍ مباشرة.

عندما يفكرُ معظمُ الناسِ بالنبوةِ أنها قد تمَّت، فان أولَ ما يَتبادرُ إلى أذهانِهم هو الإتمامُ المباشر. يُمكنُ أن تتِّمَ النبواتُ مباشرةً عندما تكونُ الأحداثُ التي تَنبأت بها قد تمَّت كما أعلنَتها. على سبيلِ المثال، في إرميا ٢٥: ٨-١١، يُعلنُ إرميا أن يَهوذا سَتسقُطُ في يدِ البابليين وتَصيرُ الأرضُ خَرِبَةً لمدةِ سَبعين سَنة. وبحَسبِ ٢ أَخبارِ ٣٦: ١٥-٢١، هذا تماماً ما حَدَث.

ثانياً، يُمكنُ أن يكونَ هناكَ إتمامٌ غيرُ متوَقَعٍ للنُبوة. الإتمامُ غيرُ المُتوقع يَحدُثُ عندما تتَغيرُ نَتيجةُ نبوةٍ نوعاً ما على ضَوءِ الطَريقةِ التي يتَجاوبُ فيها البَشرُ مع النُبوة. وقد سَبقَ ورأينا أن هذه النتائجَ للنبواتِ يُمكنُ أن تَتبدلَ وِفقاً لتَجاوبِ مُستلمي النبوة. وعندما يحدثُ ذلك، يمكنُنا أن نقولَ إن النتائجَ كانتْ غيرَ متوقعة من جهةِ تجاوبِ الشعب. وهذا ما نقصدُه عندما نَتحدَثُ عن إتمامٍ غيرِ متوقَعٍ للنبوة.

مثلاً، في ٢ صموئيلِ ١٢: ١-١٥، حذَّرَ النبيُ ناثانُ داوُدَ بأن اللهَ سوفَ يُميتُه لأنه ارتكَبَ خَطيةَ الزِنى مع بَثْشَبَعَ وقتلَ زوجَها أُورِّيا. وتجاوباً مع هذه النبوة، تابَ داوُد. وبسببِ توبتِه خفَّفَ اللهُ الحُكمَ عليهِ بالإبقاء ِعلى حياتِه. لكن مع ذلك، أماتَ اللهُ ابنَ داوُدَ وجلبَ المَصائِبَ على عائلتِه. وتَصفُ الفصولُ ١٣-١٩ بتفصيلٍ كبيرٍ إتمامَ نُبوةِ ناثانَ في عائلةِ داوُد.

ثالثاً، يُمكنُ أن يكونَ للنبواتِ إتمامٌ عن طريقِ المِثال. من أجل أغراضِنا في هذا الدرس، نُعرِّفُ المِثالَ بأنهُ:

التعاملُ مع الأشخاصِ والمؤسَساتِ والأحْداثِ في الكتابِ المقدسِ كرموزٍ تمثلُ مُسّبقاً أشخاصاً ومؤسساتٍ وأحداثاً مستقبلية.

على سبيلِ المثال، دعا بولسُ آدمَ مِثالاً للمسيحِ في رومية ٥: ١٤، لأن حَياةَ آدمَ مثَّلت مُسبّقاً حياةَ يسوع. لكن في الوقتِ الذي أخطأَ آدمُ في الجَنةِ جالباً الموتَ على البَشرية، أطاعَ يسوعُ وجلبَ الحَياةَ والتَبريرَ للمُؤمنين به.

فإتمامُ مِثالِ النبوةِ هو إتمامُ الأمورِ التي تشيرُ إليْها النبوةُ مباشرةً مع أنَها تُمثّلُ مُسبَّقاً أحداثاً مُستقبلية. مثلاً، في متى ٢:١٥، قال متى إنه عندما غادرَت عائلةُ يسوعَ مصرَ، تمّمَت ما وردَ في هوشع ١١: ١ الذي يقول: "وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي".

لم يكنْ هذا العددُ في هوشع ينبئُ بمجيءِ المسيح. في الواقع، كانت النبوةُ تشيرُ إلى زمنٍ في التاريخِ عندما فدى اللهُ إسرائيلَ من مِصرَ أثناءَ الخروج. لكن من ناحيةِ المثالِ فإن هذا المقطعَ تمّ من جديدٍ في زمنِ المسيحِ لأن الخروجَ كان مِثالاً مُسبّقاً عن حياةِ مسيحِ إسرائيلِ العظيم. وقد فَهِمَ كتّابُ العَهدِ الجَديدِ أن بَعضَ نُبواتِ العَهدِ القَديمِ قد تَمَّت فِعلا حتى قَبلَ أن يَكتُبوا أسفارَهم في العَهدِ الجَديد. لكنَهم استَمروا في الإشارةِ إلى إتمامٍ لمُثُلٍ أعظَمَ في زَمنِهم.

يوم 6يوم 8

عن هذه الخطة

سفر الرؤيا

 يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل  رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً  لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم  ذلك، فإن الرسالة العامة واضحة: يسوع الملك سيعود بانتصار. 

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: 

http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/rev