سفر الرؤياعينة

سفر الرؤيا

يوم 27 من إجمالي 30

اليوم 27: الولاء (الثبات)

وكما رأينا، هناك على الأقل ثلاثة أوجه لعلاقتنا مع الله تشبه اتفاقات أو معاهدات الملوك الأسياد القدامى: إحسان الله نحونا كشعبه؛ الولاء أو الطاعة التي يطلبها منا الله كملكوته التابع؛ ونتائج البركات كاستجابة للطاعة، واللعنات كاستجابة للعصيان. ونريد عند هذه النقطة أن نركّز على الخدمة الأمينة التي يتوقعها الله من الشعب الذي خلصه بنعمته.

عندما كتب كتاب الرؤيا، كان الرسول يوحنا مدركاً لعلاقة الكنيسة مع الله من خلال العهد. وأحد أهداف كتابته كانت تشجيع الكنائس في آسية الصغرى لكي تبقى أمينة للرب وسط التحديات التي كانت تواجهها. فقد أرادهم أن يتذكروا كل اللطف الذي أظهره الله لهم، كذلك البركات التي عرضها الله عليهم، لكي يعيشوا في طاعة أمينة للرب.

كما ذكرنا، فإن الكنائس التي وجهت رسائل الرؤيا إليها واجهت الكثير من التجارب لتساوم على ولائها لله. وواجه قرّاء يوحنا الأولون على الأقل أربعة أنواع من التجارب ليخرجوا عن ولائهم لله:

التجربة الأولى، كانت لنقابات التجار آلهتهم المناصرة الخاصة، وطلبوا من أعضاء نقاباتهم أن يعبدوا تلك الآلهة المزّيفة. وهذا وضع المسيحيين أمام تجربة المشاركة في العبادة الوثنية لينالوا فرصة للعمل وإدارة تجارتهم.

التجربة الثانية، طلبت الإمبراطورية الرومانية من رعاياها أن يعبدوا آلهتها وإمبراطورها. وهذا وضع المسيحيين تحت تجربة عبادة الآلهة الوثنية ليتجنبوا القصاص من الحكومة.

التجربة الثالثة، وضعت اليهودية ضغوطاً على المسيحيين ليتخلوا عن المسيح. تمتعت اليهودية بعفو خاص من العبادة الوثنية، وقد شمل هذا العفو المسيحية في البداية. لكن مع ابتعاد اليهودية عن المسيحية، لم يعد ذلك العفو يشمل الكنيسة. وهذا وضع العديد من المسيحيين اليهود أمام تجربة التخلي عن المسيح والعودة إلى اليهودية التقليدية، لكي يتجنبوا الاضطهاد الروماني.

التجربة الرابعة، ساوم مسيحيون معاندون في كل الإمبراطورية الرومانية على إيمانهم عن طريق مشاركتهم بممارسات وثنية وفجور جنسي. وشجعوا الآخرين على الحذو حذوهم.

ووضعت هذه التجارب تحديات كبيرة أمام أمانة الكنائس في آسية الصغرى. في هذا الإطار، كان تعزيز الولاء لله أحد الأسباب الهامة التي كتب يوحنا من أجلها بغرض حماية تلك الكنائس من المجموعات المنافسة.

الثبات:

يمكن تعريف الثبات كما يلي:

هو البقاء أمناء لله في الإيمان والسلوك على الرغم من التجارب والمقاومة وتثبيط العزيمة.

الثبات هو الانتصار على كل قوة تدفعنا إلى التخلي عن إيماننا بالله أو التمرد عليه.

كردّ فعل على التجارب العديدة التي واجهها المؤمنون في آسيا الصغرى، دعا يوحنا قراءه تكراراً إلى الثبات والانتصار. ونجد هذه التحذيرات في كل رسالة من الرسائل إلى الكنائس في الرؤيا ٢ و٣ وفي بقية كتاب الرؤيا. ونجد هذه التحذيرات في الرسائل في الرؤيا ٢: ٧،١١،١٧،٢٦ و٣: ٥،١٢،٢١. كما نجدها في مواضع مثل الرؤيا ١٤: ١٢؛ ١٦: ١٥؛ ١٨: ٤؛ ٢٠: ٤؛ ٢١: ٧؛ ٢٢: ٧،١١،١٤. ولا نبالغ عندما نقول إن الثبات هو من المواضيع الأبرز في كل كتاب الرؤيا.

سنشير إلى خمسة أنواع من الثبات التي سلّط يوحنا عليها الضوء في كتاب الرؤيا، بدءاً من الثبات في الإيمان. في العبرانيين ١١: ١، يعرّف الكِتاب المُقدَّس الإيمان بهذه الطريقة:

وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.

قد يكون من الصعب أن نثقَ باللهِ عندما لا تعكس ظروف حياتنا أشكال الحماية والشبع والبركة التي نقرأ عنها في الكِتاب المُقدَّس. فعندما تسوء الأمور بالنسبة لنا، من السهل أن نظن أننا ارتكبنا خطأ، أو أننا خُدعنا، وأن إله الكِتاب المُقدَّس ليس حقيقيًا، ونحن لا ندين له بأي ولاء. وهذا ينطبق على القرن الأول بقدر ما ينطبق علينا اليوم. من هنا، كان أحدُ أبرزِ اهتمامات يوحنا من خلال كتابته لسفر الرؤيا، إقناعَ قرّائُه بأن الأمور هي في الواقع مغايرة تماماً عما تبدو عليه. فالعالم أسوء بكثير مما يبدو، وملكوت الله أعظم بكثير من أي أمرٍ يمكنهم تصورَه.

واجه قرّاء يوحنا الأولون الكثير من التجارب ليصدقوا أن أموراً مثل الآلهة الوثنية والإمبراطورية الرومانية هي مصدر بركة عظيمة. ظاهرياً، بدت تلك القوى عظيمة، توفر الأمن والمتعة والازدهار. بينما في المقابل كانت الحياة المسيحية شاقة جداً. فواجه المؤمنون صعوبات في العمل. فقد كانوا مضطهدين من الحكومة. ولم تقدم الكنيسة أي شيء مثل المتع الدنيوية التي توفّرها الديانات الوثنية. وقد جعلت هذه التجارب من السهل على الكنائس في آسيا الصغرى التخلي عن إيمانها بالله وإبداله بإيمان من العالم.

كردّ على هذه الظروف يشدّد يوحنا على ضرورة أن يتقوى قراؤه بالإيمان. أرادهم أن يكونوا واثقين بإيمانهم وبأن أنظمة العالم ليست جيدة كما تبدو، وأنه مهما كانت الحياة المسيحية قاسية، فهي الطريق إلى الأمان الحقيقي، والسرور والازدهار.

لهذا السبب، يصف كتاب الرؤيا تكراراً القوى الدنيوية الأثيمة والشهوات بأنها شنيعة، وبغيضة، وخدّاعة وفاسدة. نعم! إن مملكة الشيطان وأتباعه تلبس لباساً جميلاً. لكن إن تمكنا أن نراها على حقيقتها، فسنبتعد عنها بسبب بشاعتها. وهذا الأمر ما زال صحيحاً اليوم.

مهما قامت الخطية بإغرائنا، ومهما كانت الحياة صعبة ومثبطة للعزيمة لنا كتلاميذ للمسيح، فمن الضروري أن نثبت في إيماننا بأن الله هو بالفعل كما أعلن عن نفسه، وأنه سيفعل ما وعد به، وأنه سيباركنا إن نحن بقينا أمناء له.

على الرغم من أن الثبات في الإيمان هو أهم أنواع الثبات، يشدّد كتاب الرؤيا على أن الإيمان الحقيقي يبرهن عن نفسه من خلال أنواع أخرى من الثبات أيضاً. على سبيل المثال، نوع ثان من أنواع الثبات مذكور في كتاب الرؤيا هو المحبة الراسخة لله.

يدعو كتاب الرؤيا جميع المؤمنين لكي يبقوا محبتهم لله نشيطة وقوية. على سبيل المثال، في الرؤيا ٢: ١٩، مدح الرب الكنيسة في ثَيَاتِيرَا، لتعبيرها عن ثباتها في المحبة والإيمان. في المقابل في الرؤيا ٢: ٤، وبّخ كنيسة أفسس لخسارتها محبتها الأولى. وهذا الفشل كان كبيراً بحيث هدّد الرب بإزاحة منارتها، أي أنه هدّد بإزالة الكنيسة.

أما النوع الثالث من الثبات المشار إليه في كتاب الرؤيا يتعلق بشهادتنا المسيحية للآخرين. كانت الكنائس الوفيّة للمسيح في زمن يوحنا في تناقض صارخ مع حضارة الشعوب حولها. من هنا صوّر يوحنا الكنائس السبع في الرؤيا ٢ و٣ كمنارات تضيء في ظلمة العالم. وكما تعلّمنا الرسالة إلى أفسس، عندما كان المسيحيون يساومون مع العالم، كانوا يخسرون شهادتهم المميّزة، وكان ذلك يخمد إلى حد بعيد شهادتهم في العالم.

ونجد أمراً مشابهاً في الرؤيا ٧: ١٠، حيث تجمعت جماهير غفيرة بالثياب البيض حول العرش لتسبّح الله بتكرار التصريح الذي هو شهادتهم إلى العالم: الْخَلاَصُ لإِلهِنا. فالخلاص ليس في قيصر أو في أي مصدر آخر، بل فقط في عمل يسوع المسيح، حمل الله. وهذه الحقيقة الفريدة جعلت من شهادة المؤمنين هامة بشكل حاسم. فغير المؤمنين كانوا بحاجة لأن يروا أن عبادتهم الشخصية كانت مزيّفة ومخدوعة، وأن الكنيسة وحدها امتلكت الرسالة الحقيقية حول الحياة والرجاء.

أما النوع الرابع الذي من خلاله دعا كتاب الرؤيا المسيحيين إلى الثبات هو في الطهارة الأخلاقية. نجد التشجيع على الطهارة الأخلاقية غالباً في الرسائل السبع إلى الكنائس. على سبيل المثال، في الرؤيا ٢: ١٢-١٧، وبّخ يسوع الكنيسة في بَرْغَامُس على قبولها الذين ارتكبوا خطايا جنسية، وأيضاً على تشجيعها الآخرين على الاشتراك بتلك الخطايا. وفي الرؤيا ٣ ١٤-٢٢ وبّخ يسوع الكنيسة في لاَوُدِكِيَّة على انشغالها بالأمور الدنيوية بسبب إعطائها للغنى والثروة قيمة أكبر من ولائها للمسيح.

أما النوع الخامس من الثبات الذي دعا إليه كتاب الرؤيا فهو التمسك بالتعليم الصحيح. يدعو كتاب الرؤيا بانتظام المؤمنين للتمسك بالتعليم الصحيح، وأن لا يتساهلوا مع الأفكار الدنيوية. على سبيل المثال، في الرؤيا ٢: ١-٧، مدح يسوع الكنيسة في أفسس بسبب أمانتهم للتعليم المسيحي الصحيح، ولحسن تمييزهم بين الرسل الحقيقيين والرسل الكذبة. ووبخ الكنيسة في ثِياتِيرا في الرؤيا ٢: ٢٠-٢٣ بسبب تساهلها في مسائل عقائدية، لا سيما تسامحها مع النبية الكاذبة إيزابل.

يدعو كتاب الرؤيا الكنيسة إلى الثبات بعدة طرق متنوعة. لكن المسيحيين الذين يواجهون تحديات في هذه النواحي لا يعرفون دائما كيف يتصرفون لينتصروا على المحن والتجارب والآلام التي يواجهونها. لكن كتاب الرؤيا لا يأمرنا فقط أنه يجب علينا أن نثبت. بل يعطينا أيضاً تعليمات عملية لكيفية القيام بذلك.

ينزع كتاب الرؤيا حجاب الخداع الذي تروّج له حكومات بشرية شريرة تقاوم الله. وهو يكشف عن جمال وروعة ملكوت الله وقوة المسيح. وهو يبيّن لنا أن الله يحب شعبه ويعِد بأن يباركهم في ملكوته المجيد. وهو يؤكد لنا على البركات المستقبلية التي سننالها في السماء الجديدة والأرض الجديدة، إن كنا نثبت إلى النهاية. باختصار، هو يعطينا كل سبب لنكون مخلصين لله ونثبت في أمانتنا طوال حياتنا، وعبر التاريخ، إلى حين عودة المسيح ليجدّد كل شيء.

يوم 26يوم 28

عن هذه الخطة

سفر الرؤيا

 يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل  رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً  لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم  ذلك، فإن الرسالة العامة واضحة: يسوع الملك سيعود بانتصار. 

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: 

http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/rev