سفر الرؤياعينة

اليوم 24: الإحسان (العهد القديم)
يمكننا أن نرى إحسان الله كسيد العهد بطرق عديدة في كتاب الرؤيا. دون شك كان إحسان الله الأسمى إرسال ابنه ليموت عن خطايانا. وهذا الموضوع مشار إليه في أماكن مثل الرؤيا ١: ٥؛ ٥: ٩-١٠، ٧: ١٤ و١٤: ٣-٤.
لكننا نرى أيضاً إحسان الله الملوكي نحو شعبه بالطريقة التي يدعونا فيها إلى نفسه ويجعلنا جزءاً من ملكوته، كما نرى في الرؤيا ١: ٦، ١١: ١٥ و١٧: ١٤.
وهو من خلال لطفه أعفى شعبه من الكثير من الدينونات التي تهدّد غير المؤمنين في هذا الكتاب، مثل الرؤيا ٧: ٣-٤ و٩: ٤.
وحتى التحذيرات النبوية للكنائس في الرؤيا هي فرص من إحسانه لكي نتوب. وقد لجم الله حكمه لكي يتمكن شعبه من أن تكون لهم الفرصة ليتجنبوا الإدانة. وقد دوّن يوحنا هذا النوع من الإحسان في الرؤيا ٢: ٥،١٦،٢١ و٣: ٣، ١٩.
لكن الطريقة الأكثر شيوعاً التي نرى فيها نعمة الله ولطفه في كتاب الرؤيا هي من خلال دفاعه عن شعبه وسط الحرب الروحية. من هنا، سنركّز في هذا الدرس، على بحثنا حول إحسان الله بالتحديد على الطريقة التي يحمي بها الله شعبه من أن يهلكوا وسط الصراعات.
الحرب الروحية في العهد الجديد، ليست بالدرجة الأولى صراعاتنا الداخلية مع الخطيّة، بل هي حرب مستمرة بين الله والقوى الروحية الشريرة التي تعمل في العالم. وإحدى الطرق التي ينخرط فيها الله في هذه المعركة هي عن طريق دفاعه عن ملكوته في وجه تلك القوى الشريرة. وكما ذكرنا آنفاً في درس سابق، غالباً ما يكشف لنا كتاب الرؤيا الأعمال في عالم الله الخارق للطبيعة والعالم غير الطبيعي للملائكة والأرواح الشريرة. ويتحدث عن تأثيرهم في العالم الطبيعي الذي نعيش فيه. وجوهر كل الحرب الروحية في حياة المسيحيين هو أن تلك القوى غير الطبيعية هي في صراع فيما بينها، وهي تؤثر في عالمنا، وأن الأرواح الشريرة تسعى إلى أن تخرب حياتنا وتجعلنا غير أوفياء لله، وأن الله يستخدم الملائكة ليحمينا من تأثير الأرواح الشريرة وأعمالها.
الانتصار مضمون للمسيحيين في الحرب الروحية، لا يوجد شيء يمكن للشياطين أن تفعله لتدمّر خلاصنا أو لتهزّ ميراثنا في ملكوت الله. قد تكون الحرب الروحية مثبطة للعزيمة ومفشلة وحتى مرعبة. لكن بسبب إحسان الله، لا يمكن أبداً أن تنجح ضدنا على المدى البعيد.
العهد القديم:
العهد القديم مليء بروايات المعارك. كانت إسرائيل غالباً في حرب مع الأمم المجاورة. وغالباً ما تحارب بنو إسرائيل فيما بينهم في أوقات مختلفة. لكن على الرغم من أن معظم أوصاف الحروب في العهد القديم تسلّط الضوء على بشر يحاربون بأسلحة مادية، غالباً ما يكشف الكِتاب المُقدَّس النقاب ليبيّن لنا أن هناك معارك روحية تدور في الخفاء. في الواقع، تلك المعارك غير المنظورة تؤثر كثيراً على نجاح أو فشل الجيوش البشرية.
وهذه المعارك غير المنظورة كانت دائماً تدور من جهة بين الله وملائكته القديسين، ومن جهة أخرى بين الشيطان وجنوده من الأرواح الشريرة. وعلى الرغم من أن معظم الجيوش البشرية التي قاومت إسرائيل كانت تعبد آلهة أخرى، فإن أعداداً مثل التثنية ٣٢: ١٧ تبيّن أن آلهة الشعوب المزّيفة هم في الواقع أرواح شريرة.
مجموعة من الأمثلة التي تسلّط الضوء على المعارك غير المنظورة بين الملائكة والأرواح الشريرة يمكن أن نجدها في الخروج ٧-١٥. في أيام موسى، كان شعب الله مستعبداً للمصريين. لكن الله دفع جيوشه الملائكية لتدخل في حرب ضد مصر وآلهتها الوثنية، لينّجي شعبه من جورهم. وبدأ عن طريق إنزاله عشر ضربات بالمصريين، ومن ضمنها ملاك الموت الذي قتل البكر في كل بيت من بيوت المصريين. ثم في ذروة استعلانه لقوته، خلص شعبه عن طريق إغراق الجيش المصري في البحر الأحمر. ثم في الخروج ١٥: ١١ رنّم موسى:
مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزّاً فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفاً بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعاً عَجَائِبَ.
عرف موسى وقراؤه الإجابة عن هذا السؤال: لا يوجد آلهة مثل الرب. في النهاية كانت آلهة المصريين عاجزة بالكامل عن منع الإله الحقيقي من تدمير جيش المصريين بكامله.
والعهد القديم مليء بالأمثلة المشابهة. وقد عرّف الله غالباً عن نفسه كملك إسرائيل المحارب الذي قادهم في المعركة. لكن هذه المعارك لم تكن مجرد معارك ضد آلهة بشرية فحسب؛ بل كانت تتضمن دخول الله في حرب مع آلهة الأمم المزيّفة. على سبيل المثال، في ٢ ملوك ١٩، استهزأ سَنْحَارِيبُ ملك أشور بحَزَقِيَّا ملكِ يهوذا، إذ آمن سنحاريب أن آلهة الأشوريين هي أقوى من إله إسرائيل. لذا رفع حَزَقِيَّا في ٢ ملوك ١٩: ١٧-١٩ هذه الصلاة إلى الله:
حَقّاً يَا رَبُّ إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ قَدْ خَرَّبُوا الأُمَمَ وَأَرَاضِيَهُمْ، وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى النَّارِ. وَلأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً، بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي النَّاسِ: خَشَبٌ وَحَجَرٌ، فَأَبَادُوهُمْ. وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلهُ وَحْدَكَ.
فهم حَزَقِيَّا أن المعركة مع الأشوريين لم تكن مجرد معركة ضد سنحاريب وجيوشه. بل هي حرب روحية بين الرب وآلهة أشور. لذلك صلى ليس لمجرد انتصار في المعركة، بل ليتمجد الله فوق آلهتهم.
واستجاب الله لصلاته. وقتل فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَلاَكُ الرَّبِّ من جَيْشِ أَشُّورَ ١٨٥٠٠٠، ورجع سنحاريب إلى بلده مهزوماً. ولم يحتج جيش حَزَقِيَّا أن يواجه الأشوريين في المعركة. فقوة الله الروحية قضت بالكامل على الجيش البشري.
قصص العهد القديم عن الحروب لا تتحدث بوضوح عن الصراعات الروحية بين إله إسرائيل الحقيقي وآلهة الأمم المزّيفة. لكن مع ذلك، يبرهن العهد القديم باستمرار أن المعارك المادية البشرية تقع إلى حد بعيد تحت تأثير المعارك الروحية.
الكلمة
عن هذه الخطة

يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم ذلك، فإن الرسالة العامة واضحة: يسوع الملك سيعود بانتصار.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: