سفر الرؤياعينة

سفر الرؤيا

يوم 28 من إجمالي 30

اليوم 28: الولاء (العبادة)

على الرغم من حقيقة أن قرّاء يوحنا الأولين كانوا يعانون من اضطهاد كبير، فإن كتاب الرؤيا يشدّد بصورة بارزة على العبادة. يصوّر الرؤيا ٤ و٥ مشهداً مذهلاً عن العبادة في البلاط السماوي، مع أربعة وعشرين شيخاً جالسين على عروش حول عرش الله، وأربعة كائنات حيّة تطير في البلاط وتسبّح الله. وتظهر مشاهد عبادة في حوالي نصف فصول الرؤيا الـ٢٢.

وعلى الرغم من أن ذلك قد يفاجئنا في البداية، فإن كتاب الرؤيا يربط بوضوح الألم والعبادة. وبغض النظر عن ظروفنا الحاضرة، حتى في أوقات الضيق، يبقى الله كاملاً، قدوساً وصالحاً. وهو يعمل في كل الأشياء معاً من أجل فائدتنا النهائية، بحيث يباركنا في الدهر الآتي بميراثنا الكامل في المسيح. وفي الوقت الذي يقدّم لنا كتاب الرؤيا أسباباً عدة لنعبد الله، سنركّز في هذا الدرس على ثلاثة أفكار موجزة في الحمد المقدّم لله من قبل الشيوخ الأربعة والعشرين في الرؤيا ٥. انظر إلى ما أعلنه الشيوخ في الرؤيا ٥: ٩-١٠:

لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لِإِلَهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ.

أشار الشيوخ إلى ثلاثة أسباب على الأقل لتسبيح الله. أولاً، المسيح اشترى أو افتدى شعبه مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ. ثانياً، عيّن المسيح هؤلاء الأشخاص المفديين ملوكاً وكهنة. وثالثاً، ضمن أنهم في المستقبل سيملكون على الأرض.

إن بحثنا في موضوع الولاء المعبّر عنه في العبادة يتوازى مع هذا التشديد المثلث للرؤيا ٥: ٩-١٠. أولاً، نرى أن عمل فداء المسيح في الماضي يجعل الله يستحق العبادة. ثانياً، نركّز على عبادة الله لأنه أعطانا الإكرام في الحاضر من خلال تعييننا لنكون كهنة ملكوته. وثالثاً، نرى أنه يستحق عبادتنا بسبب البركات التي سننالها في المستقبل عندما سنملك على السماوات الجديدة والأرض الجديدة. 

1) الفداء الماضي:

يبيّن كتاب الرؤيا تكراراً أن الله يستحق العبادة من دون كل خلائقه. وهو يعطينا صوراً جميلة كيف يعبده القديسون في السماء. وأحد الأسباب التي يقدّمها كتاب الرؤيا لعبادة الله، هو عمل الخلاص الذي أتمّه المسيح من أجلنا.

يقدّم لنا كتاب الرؤيا ١٤: ١-٤ صورة جميلة للفداء الذي سبق ونلناه في المسيح. في العدد ١ يصف يوحنا المؤمنين بأن لهم اسم الخروف واسم الآب مكتوبان على جباههم. وكتب يوحنا في العدد ٤ أن المؤمنين قد اشتروا من بين الناس، وأنهم قُدموا لله وللخروف قرباناً. واستجابة لهذا الخلاص العظيم، قدّم المؤمنون العبادة والتسبيح لله، معبّرين عن شكرهم في ترنيمة جديدة.

يجب أن تكون لكل مؤمن الاستجابة ذاتها مع الخلاص الذي ناله. فالمسيح اشترانا جميعاً، وقدّمنا جميعاً قرباناً لله وللخروف. ويجب أن نتجاوب جميعاً بالشكر والتسبيح عابدين الله والمسيح بفرح وترنم.

عندما نواجه ضيقات، من السهل بالنسبة لنا أن نشك بصلاح الله وننسى عطاياه الصالحة التي أعطانا إياها في خلاصنا، عطايا مثل الغفران، واسترداد العلاقة مع خالقنا وربنا والحياة الأبدية.

ونحتاج أن نتذكر دائما أن الفداء الذي سبق وأتمّه يسوع من أجلنا وشملنا به يجعل يسوع مستحقاً عبادتنا، بغض النظر عن ظروفنا. فابن الله أحبنا إلى درجة أنه جاء إلى عالمنا الشرير هذا، ليحتمل آلاماً رهيبة واضطهاداً مريعاً، وليموت على الصليب من أجل خطايانا. ولا يوجد ألم أو مشقة في هذا العالم يمكن مقارنتهما بالألم الذي تحمّله المسيح من أجلنا. وهذا يجعله مستحقاً لكل عبادة وتسبيح وحمد.

2) الإكرام الحاضر:

في الوقت الحاضر، الله يتربع على العرش في هيكله السماوي. وهو يدعو شعبه على الأرض ليكونوا كهنة ملكوته.

في العهد القديم، كان كلا الملوك والكهنة مكرّمين جداً لأن الله اختارهم ليمثّلوه في علاقته مع شعب عهده. وقد أُعطي لهم أن ينجحوا في هاتين الوظيفتين بمقدار ما كانوا أمناء لله كملكهم الأعظم. ونرى ذلك فيما يتعلق بملوك العهد القديم في مقاطع مثل ١ ملوك ٣: ١٣-١٤، وإرميا ٣٤: ٤-٥ ودانيال ٤: ٣٤-٣٧. ونرى الارتباط بين ولاء الكهنة وإكرامهم في أماكن مثل ٢ أخبار ٢٦: ١٨ ومراثي إرميا ٤: ١٢-١٦.

لكن على الرغم من أن قلة فقط اختيروا في العهد القديم كملوك وكهنة، فإن العهد القديم تطلع إلى اليوم الذي فيه كل شعب الله الأمناء سيكونون ملوكاً وكهنة على الأرض (الخروج ١٩: ٥-٦).

وفق كتاب الرؤيا، الزمان الذي تطلع إليه العهد القديم بات حاضراً اليوم. فالكنيسة هي اليوم مملكة كهنة تملك على الأرض. ونرى ذلك بوضوح في الرؤيا ٥: ٩-١٠ و٢٠: ٦، ومشار إليها ضمناً في مقاطع أخرى.

بالطبع هناك نتائج كثيرة تترتب على هذه الحقيقة. مثلا، المسيحيون هم سفراء المسيح على الأرض. ونحن مدعوون لنخدمه ونخدم البشرية. ونحن ملزمون بإدارة الأرض بمسؤولية وكل ما يتطلبه ذلك. لكن النتيجة التي سنركّز عليها في هذا القسم من درسنا هي أن هذا التكريم لنا يجب أن يحثنا على عبادته له المجد.

على سبيل المثال، في الرؤيا ٥: ٨-١٤، يوجد مشهد جميل للعبادة في البلاط السماوي. وكجزء من هذا المشهد، فإن الكائنات الحية الأربعة، والأربع والعشرين شيخاً جميعهم كانوا يسبّحون ويعبدون يسوع الحمل بالقيثارات، والترنيم والبخور. انظر إلى ما كانوا يرنمونه عن أمانة الله في الرؤيا ٥: ١٠:

وَجَعَلْتَنَا لِإِلَهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ.

أحد الأسباب الوجيهة ليستحق يسوع عبادتنا، هو أنه كرّم شعبه في الحاضر عن طريق تعيينهم ليخدموه ككهنته وكملوك يملكون على الأرض.

ونجد شيئاً مشابهاً في الرؤيا ٤: ١٠-١١. في ذلك المقطع، تجاوب الشيوخ في السماء مع الإكرام والسلطان الملكي اللذَين مُنحا لهم فأتوا وسجدوا أمام يسوع واضعين أكاليلهم عند قدميه وهم يسبحونه.

ويوجد مثل آخر على ذلك في الرؤيا ٧ حيث عدد لا يُحصى من المؤمنين خُتموا كخدّام لله، فتجاوبوا مع النعمة والإكرام اللذين وهبا لهم بحمدهم الرب على صلاحه ورحمته وقدرته. وفي الرؤيا ١: ٥-٦، قدم لنا الرسول يوحنا نفسه نموذجاً عن هذا السلوك. بيّن لنا يوحنا في هذين العدَدين أن على الكنيسة في كل العصور أن تتجاوب مع الإكرام الذي نالته بالقيام بعبادة الرب الذي باركها كمملكة لكهنته.

نحن ننسى أحياناً أن المؤمنين ككهنة يخدمون في الواقع الرب في السماء. أي أننا نقوم بالخدمات التي تُبقي العبادة سارية في الهيكل السماوي، وتُرضي رب الهيكل. كمثال، تؤكد لنا الرؤيا ٥: ٨ أن صلوات القديسين هي جامات من ذهب مملوءة بالبخور في هيكل الله السماوي. وفي الرؤيا ٨: ٣-٥ ترتفع هذه الصلوات أمام الله وهو يتجاوب معها بحكمه العادل على مذنبي الأرض.

يتشرف شعب الله اليوم بكونهم مملكة كهنة. فقد أتى بنا الله إلى ملكوته وكلفنا بمهمة نشر ملكوته في كل العالم. وبصفتنا كهنتِهِ، لنا شرف خدمته في هيكله السماوي. فكر بهذا- نحن نعمل مباشرة عند خالق الكون كله وحاكمه. وهو قد منحنا السلطان على كل خليقته، ويصغي إلى صلواتنا بانتباه، ويستخدم تلك الصلوات كوسائل يبارك من خلالها شعبه الأمين ويدين أولئك الذين يقاومون مُلكَهُ. كيف نتجاوب مع هذا الشرف العظيم؟ نفعل ذلك بتقديمنا الطاعة مع شكرنا له ومن خلال عبادتنا الصادقة.

3) البركات المستقبلية:

يدعو كتاب الرؤيا الكنيسة إلى عبادة الله بسبب البركات العظيمة التي سيهبها لها يوم المجازاة، عندما نبدأ ملكنا الأبدي مع المسيح على السماوات الجديدة والأرض الجديدة. إحدى الطرق التي تشجّعنا على عبادة الله هي بتوفير أمثلة لنا لنتبعه. انظر إلى مثل الشيوخ في السماء في الرؤيا ١١: ١٦-١٨:

وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخاً الْجَالِسُونَ أَمَامَ اللهِ عَلَى عُرُوشِهِمْ خَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلَّهِ قَائِلِينَ: نَشْكُرُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الْإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، لأَنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ... فَأَتَى... َزَمَانُ الأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا، وَلِتُعْطَى الأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ وَالْقِدِّيسِينَ وَالْخَائِفِينَ اسْمَكَ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَلِيُهْلَكَ الَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ الأَرْضَ.

في هذه الرؤيا، رأى يوحنا يوم الدينونة المستقبلي. في ذلك اليوم، سينال كل شعب الله الأمناء مكافآت أبدية، ويُجازى كل أعداء الله بالهلاك الأبدّي. كجزء من هذا المشهد، راقب يوحنا الشيوخ وهم يعبدون الله لأنه باركهم بالمكافآت وبدّد أعداءهم. فهمت الكنائس في زمن يوحنا من خلال هذا المثل، أن الله يستحق عبادتنا أيضاً الآن في الزمن الحاضر، لأننا وُعدنا بهذه البركات المستقبلية ذاتها. مثل آخر يمكن أن نجده في الرؤيا ٧: ٩-١٠، حيث نقرأ ما يلي:

وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: الْخَلاَصُ لِإِلَهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ.

إن الجمع الذي وصفه يوحنا في هذا المقطع، كانوا متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل. ووفق الرؤيا ٧: ١٤-١٧، فإن الثياب البيض ترمز إلى البركات التي نالوها. فقد جاءوا من الضيقة العظيمة وخطاياهم قد غُفرت بدم المسيح. علاوة على ذلك، أُدخلوا إلى ملكوت الله الأبدي ونالوا المكافأة الأبدية. وكيف تجاوبوا مع الله؟ تجاوبوا بعبادته. وكان مثالهم مشجعاً لقرّاء يوحنا الأولين ليفعلوا الأمر ذاته، بسبب البركات ذاتها التي ستوهب لهم أيضاً. وهذا ينطبق على المؤمنين في كل عصر.

وأمر مشابه ينطبق على سعف النخل التي حملها الجمع. فبحسب اللاويين ٢٣: ٤٠، فإن سعف النخل كانت تستخدم باستمرار في عيد المظال للإشارة إلى الخلاص النهائي الذي سيقدّمه الرب. وعندما دخل يسوع أورشليم في دخوله الظافر في يوحنا ١٢، نقرأ في تفاصيل القصة أن الجمع استقبلوه بسعف النخل، دلالة على إيمانهم أنه لكونه المسيح قد جاء بملكوت الله الموعود. من هنا سعف النخل التي كان يحملها الجمع في رؤيا يوحنا تشير على الأرجح إلى أن الشعب قد نالوا البركات المستقبلية بعبادة الشخص الذي باركهم.

فيسوع قد انتصر على أعداء الله. ويمكن لكل مؤمن أن ينظر إلى الأمام، إلى البركات المستقبلية العظيمة، سواء في السماء عندما نموت، أو في السماوات الجديدة والأرض الجديدة عندما يعود المسيح. وهذا يعطينا جميعاً السبب لنسبّح ونعبد إلهنا المنتصر.

يوم 27يوم 29

عن هذه الخطة

سفر الرؤيا

 يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل  رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً  لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم  ذلك، فإن الرسالة العامة واضحة: يسوع الملك سيعود بانتصار. 

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: 

http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/rev