رسائل بولس في السجن: بولس وأهل كولوسيعينة
اليوم 03: مشاكل كنيسة كولوسي (الجزء 1) – الفلسفة اليونانية – كولوسي 2: 1-8
في القرن الأول، وفي البلدان الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، لم يكنْ هناك تمييز دقيق بين الحدس الديني من جهة، والدراسة الفكرية من جهة أخرى. وبالنتيجة، أصبحت كلمة فلسفة تطبَّق على بدع الأديان الغيبية، خاصة منها، تلك المؤسسة على التقاليد الدينية. وقد تضمنت هذه التقاليد في أغلب الأحيان أسراراً وشعائر خاصة، وكذلك علوماً وحكمة لا يعرفهما أحد. ومن المحزن أنَّ بعض هذه الفلسفة الغيبية قد وجدت طريقها إلى كنيسة كولوسي. نستطيع أن نرى قلق بولس بهذا الشأن في كولوسي 2: 1–4:
فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ، ... لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ، الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ ... لِئَلاَّ يَخْدَعَكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ مَلِق. (كولوسي 2: 1–4)
تدلّ كلمات بولس إلى أنَّ أهل كولوسي قدّروا الأمور السر والحكمة والعلم، وهذه جميعها ما كانت تقدّرها بالمثل تلك الفلسفة والعقيدة اليونانية. لهذا، وكردٍّ على ادّعاءات المعلمين الكذبة في كولوسي، شدّد بولس على أنَّ السرّ الحقيقي، والحكمة والمعرفة نجدهم فقط في المسيح، وليس في دين وثني. وفي كولوسي 2: 8، استهدف بولس بوضوح الفلسفة الوثنية وأدانها بعبارات ثابتة:
اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ. (كولوسي 2: 8)
هنا، يسمّي بولس التعلـيم الخاطئ وبشـكل مباشر الفلسفة والغرور الباطل. وكما سبق وأن رأينا، تشـير كلمة فلسفة في استعمالها اليوناني النموذجي، إلى الحدس الديني المبنيّ على التقاليد، وليس إلى دراسة فكرية ومنطقية خالصة.
تشير هذه الآيات إلى أنَّ المعلمين الكذبة في كولوسي كانوا شغوفين بالمعتقدات والشعائر المبنية على الديانة اليونانية والبدع الباطنية. ولكي يتمّ قبولهم في الكنيسة، فقد اعتنقوا بعض عناصر الديانة المسيحية. ولكن من الواضح، أنهم لم يعتنقوا التعاليم المسيحية كما علّمها الرسل، وإلاَّ لما كانوا قد اعتمدوا على البدع الغيبية كأساسٍ للنظام الذي يتّبعونه.
يبدو أنَّ الفلسفة الوثنية التي كان يدافع عنها المعلمون الكذبة في كولوسي قد تضمنت أيضاً عناصر زهد. والزهد هو تجنّب المتعة الجسدية، على غير الوجه الصحيح. وهو مترسّخٌ غالباً في الفكرة المغلوطة القائلة بأن المتعة هي شيءٌ لا أخلاقي، وتذهب بعيداً في بعض الأحيان إلى درجة الحضّ على إيقاع الأذى الجسدي بالنفس. كتب بولس مندداً بهذا النوع من الزهد في كولوسي 2: 20–23:
إِذًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا... تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: «لاَ تَمَسَّ! وَلاَ تَذُقْ! وَلاَ تَجُسَّ!» ... الَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، ... وَقَهْرِ الْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ. (كولوسي 2: 20–23)
يعترض بولس على ممارسات الزهد والتنسّك في كولوسي لسببـين على الأقل. أولاً، لأن زهدهم كان مبنياً على المبادئ الأساسية للعالم، فإن هذه العبارات تشير إلى الكائنات الروحية والقوى الملائكية.
ثانياً، لأنه كان من العبث مقاومة الخطيئة حسب اعتقادهم فلا فائدة ترجى من ذلك.
باختصارٍ إذن، حاول المعلمون المزيفون في كولوسي أن يخلطوا ما بين تعاليم الكنيسة والتقاليد اليونانية التي كان من المفترض أن تأتي بالحكمة للمؤمنين وتقوّيهم أمام التجربة. ولكن في الواقع، كانت الحكمة التي قدّموها زائفة، وكانت ممارساتهم لا قيمة لها، وتعاليمهم أنكرت سمو المسيح.
الكلمة
عن هذه الخطة
دراسة استجابة بولس للتعاليم الهرطوقية التي أدخلت تكريم كائنات روحية قليلة الشأن إلى العبادة المسيحية.
More
نود أن نشكر وزارات الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: http://arabic.thirdmill.org