إصنعني وعاءًا آخرعينة

إصنعني وعاءًا آخر

يوم 2 من إجمالي 6

الشخصيّة الرؤوفة

اليوم أرغب في أن أتحدّث عن الشخصيّة الرؤوفة، وقد لفتَتْ انتباهي آية من سفر يونان الفصل 4 تقول: "لأنّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إلَهٌ رَؤوفٌ"!

وإذا عُدْنا إلى المعاجم، لَوَجَدْنا أنّ فعل رَؤُفَ بِهِ، يعني: رَحِمَه أشدَّ الرحمة، وأشفق عليه من مَكْروهٍ يحلّ به فهو رؤوف. وكلمة "الرؤوف" تعني الشديد الرأفة، وهي من أسماء الله تعالى.فإذا كان الله هو إله الرأفة، فكَمْ يجب علينا إذًا نحن عباده وأبناءه المخلوقين على صورته، أن نمتلئ من الرأفة تُجاه الآخرين. وسنذهب معًا إلى سفر يونان، لِنتعلَّم كيف نكون رَؤوفين مثل الله، فنكون على صورته.

النصّ بِشكل عامّ:

هذا السفر هو جزء من رواية نبويّة، تُخبِرنا عن شعب الله. يبدأ الفصل الأول، بطلب الله إلى يونان لِيذهب إلى نينوى: "وصارَ قَوْلُ الربِّ إلى يونان"... لِيُجيب فيما بعد على غضب يونان بسؤال: "أَفَلا أُشْفِقُ أنا على نينَوى العظيمة؟" فيما نحن نُفكّر أوّلًا بالحوت، تلك السمكة العظيمة التي ابتلعَتْ يونان. ولا نهتمّ بِتَجاوُبِ يونان مع موقف الله...

يَجْذِبُنا هذا السفر بمفاجآته العديدة: إذ نقرأ عن النوء (الزوبعة العظيمة)، والحوت العظيم، وترنيمة يونان في جوف الحوت، وتوبة أهل نينوى العظيمة، واليقطينة العجائبيّة، والدودة الإلهيّة العظيمة، والخاتمة العظيمة والمُفاجِئة. ولم يكن الهدف من كلّ هذه المفاجآت، الغرق، أو نوع السمكة، أو كيف تنفس يونان في بطن الحوت، بل كان مفاجأة الشعب بإله عظيم رحوم ورؤوف، ينسى خطيئتهم ويغمرهم بمحبّته ورأفته. ونحن، ويا للأسف ننسى أنّ الله هو الذي يقف خلف هذا السفر، وخلف التاريخ، وخلف الطبيعة وخلف كلّ هذا الكون.

فماذا علينا أن نَتعلَّم عن رأفة الله؟ وكيف علينا أن نُطبِّقها في حياتنا؟

1. رأفة الله بشعبه (الفصلان الأول والثاني)

يروي سفر يونان في الفصلَين الأوّلَين كيف أمر الله يونان بأن يذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، وينادي عليها بالدينونة لِما يعيشون فيه من عصيان لإرادة الله. فما كان من يونان إلّا أن نزل إلى يافا، وهرب من وجه الربّ في سفينة إلى ترشيش. أي بدل أن يذهب إلى شمال العراق ذهب في اتجاه آخر (هو بحسب اعتقاد كثيرين في جنوب إسبانيا)، فَكَسَر بذلك إرادة الله.

* وكم مرّة نفعل نحن الأمر نفسه؟ فنُبغض بدلاً من أن نُحبّ. ونُمْسِك خطيئة الآخر بدلاً من أن نُسامِحه. ونلعن بدلاً من أن بارك. ونُفرّق بدلاً من أن نُوَحِّد. فنتهرَّب أحيانًا من تحقيق إرادة الله مثل يونان!

فأرسل الربّ ريحًا شديدة حتّى كادت السفينة أن تنكسر. فخاف الملّاحون وطرحوا بعض الأمتعة، لِيُخفِّفوا عن سفينتهم... ثمّ ألقَوا القرعة فوقعَتْ على يونان... "فسألوه: هل بِسببك حلَّتْ بنا هذه المصيبة؟ ما هو عملك؟ ومن أين أتَيْت؟ ما هي أرضك؟ ومن أيّ شعب أنت؟ فقال لهم: "أنا عبراني، خائف من الربّ، إله السماء..." فخافوا خوفًا عظيمًا... وأخبرهم أنّه هارب من وجه الربّ... وقال لهم: "خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم. لأنّني عالمٌ أنّه بسببي هذا النوء" (يونان 1: 12). فصرخوا إلى الربّ... وحاولوا أن يرجعوا إلى البرّ، ولكن البحر ازداد اضطرابًا، فأخذوا يونان ورمَوْه في البحر، فهدأ. فأعدّ الله حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان. فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ...

* هذه القصَّة ترمز إلى تاريخ شعب الله، الذي حملَتْهُ عِناية الله وأنقذَتْه مرارًا رغم تمرُّده وعصيانه! وكيف كان الله يتدخّل بطريقة غير منتَظَرَة، تفاجئك ولا تخطر على بالك، فهو إله المفاجآت! ويرمز الحوت إلى رأفة الله على شعبه.

وبدلاً من أن يقتصَّ الله من يونان، أرسل إليه حوتًا ابتلعه، وبقي في بطنه ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ. فتاب وصلّى وسبَّح الربّ من بطن الحوت (إلى أين أهرب من وجهك؟ أَإلى السماء؟! أم إلى أسفل الهاوية؟! أم إلى أقاصي البحار؟! هناك أيضًا يمينك تهديني ويدك تُمسكني...). فأمر الله الحوت فقذفه إلى البرّ. ثم كلَّم الله يونان ثانيةً وقال له: "قُمِ اذْهَبْ إلى نينوى المدينة العظيمة، ونادِ لها المناداة التي أنا مُكلِّمك بها، فقام يونان وذهب إلى نينوى بِحَسَب قول الربّ" (يونان 3: 1-3).

* لم يَحْمِ الربّ الرؤوف يونان من الموت فقط، بل أعطاه فرصة ثانية لإتمام الخدمة! إذًا عندما تَنْقاد أنتَ، إلى عواطفك وتأخذ قرارات خاطئة، وعندما تُخطِئ إلى جسد المسيح، وعندما تَفقِدُ الأمل بنفسك، بصديقك، بشريك حياتك أو بعائلتك، فَلْتَنْتَبِهْ أنّ الله لم ينتهِ منك، وأنَّ الأمور لم تَنْتَهِ عند هذا الحدّ! بالأحرى فَلْتَتأكَّدْ من أنَّ الله يُحضِّر لك حوتًا يجعلك تتوب، يُنجّيك، يُعالِج عصيانك، لِيعود فيَستخدِمك من جديد. فَكلُّ واحدٍ منّا لا يزال بين يدي "الفخّاري"، الذي لم يُنْهِ عمله فينا بعد. الله يُعاملنا برأفة وحنان، وقد يكون بحاجة إلينا لإتمام عملٍ يَطلبه منّا. فَلْنُعامِل بعضُنا بعضًا بالمِثْل، وكما يُعامِلنا الله. حين يُخطئ أحدهم إليك، اِذهبْ وتكلَّمْ معه، سامِحْهُ ولا تُسِئ الظنّ به! عامله بالرأفة والمسامحة والغفران. فالرأفة لا تَحِلّ على المسكين فقط، بل على الذي يُخطئ تجاهك أيضًا. وهكذا تكون مثل أبيك السماوي.

2. رأفة الله بأعدائه (الفصل الثالث)

كانت نينوى عاصمة الإمبراطوريّة الأشوريّة، تآمرَ أهلها على الله، وعبدوا الأوثان، واستغلّوا الضعفاء، وظلموا الأسرى أثناء الحرب... كانوا أعداء الله. فانطلق يونان وكلّم الشعب: "بعد أربعين يوما تنقلب نينوى". فتاب الشعب ورجع عن طرقه الرديئة، وعن الظلم الذي في أيديهم. فلمّا رأى الله توبَتَهم، سامَحَهُم.

* فكما أرسل الله إلى يونان حوتًا حين عصا كلامه، فتابَ يونان ونجا من الهلاك. هكذا أرسل الله يونان إلى أهل نينوى، حين تمرّدوا على الله، ولمّا تابوا رَحِمَهم. "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إلى التَّوْبَةِ. (2 بط 3: 9). لكن، كان أسهل على يونان أن يسكن في بطن الحوت من أن يهضم فكرة أنّ الله يرحم الأمم، الذين يعتبرهم يَستحِقّون قساوة الله عليهم.

3. رأفة الله وقساوة قلب الإنسان (الفصل الرابع)

فلمّا رأى الله أنّهم رجعوا عن طريقهم الرديئة سامحهم... (يونان 3: 10)

فَغَمَّ ذلِكَ يُونَانَ (نبي إله الرحمة) غَمًّا شَدِيدًا، فَاغْتَاظَ. 2 وَصَلَّى إلى الرَّبِّ وَقَالَ: "آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذلِكَ بَادَرْتُ إلى الْهَرَبِ إلى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ (يقول النبي: مشكلتي معك أنّك إله رؤوف، وأمّا الله فيقول: مشكلتي معك يا إنسان أنّ قلبك قاسٍ) وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ. 3 فَالآنَ يَا رَبُّ، خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي". (عندما يملأ الحقد قلب الإنسان، لا يعود يفكّر إلّا بالكُرْه والشرّ)4 فَقَالَ الرَّبُّ: "هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ؟". 5 وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَجَلَسَ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي الظِّلِّ، حَتَّى يَرَى مَاذَا يَحْدُثُ فِي الْمَدِينَةِ. (دَعْ يا إنسان عملَ الله يأخذ طريقه!) 6 فَأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ يَقْطِينَةً فَارْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلاُ عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا. (الأنانيّة تملّكت قلبه!) 7 ثُمَّ أَعَدَّ اللهُ دُودَةً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ في الْغَدِ، فَضَرَبَتِ الْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. 8 وَحَدَثَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنَّ اللهَ أَعَدَّ رِيحًا شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونَانَ فَذَبُلَ. فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ الْمَوْتَ، وَقَالَ: "مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي". 9 فَقَالَ اللهُ لِيُونَانَ: "هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ؟" فَقَالَ: "اغْتَظْتُ بِالصَّوَابِ حَتَّى الْمَوْتِ". 10 فَقَالَ الرَّبُّ: "أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى الْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلاَ رَبَّيْتَهَا، الَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. 11 أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟"

* سبب عدم الرأفة والغضب عند يونان هو الكُرْه. فاحذروا منه!

فنحن أيضًا نكره رئيسنا، نكره وزراءنا، نكره اللاجئين، نكره النازحين، نكره الفلسطينيّين، نكره السوريّين، نكره اللبنانيّين، نكره المُختلِفَ عنّا، نكره الفقير، نكره الغنيّ، نكره الضعيف، نكره القويّ، نكره العقلانِيّ، نكره العاطفيّ، نَكْرَهُ ونَكْرَه... هناك سيّدة كانت تقول لي: أنا أكرهُ ذاتي أكرهُ شكلي، أكرهُ أولادي. أكرهُ وظيفتي...

أمّا كيف تستطيع أن تكون شخصيّة رؤوفة وعندك هذا الكمّ من الكره في قلبك؟ فربّما بعض النصائح التطبيقيّة والعمليّة تُساعِدك في التخلّص من الكراهية:

* حَصِّنْ ذاتك بأشخاص إيجابِيّين واختلط بهم، وتعلَّمْ منهم محبّة الآخرين والرأفة بهم.

* أنظر إلى الناس والأمور مِن حولك من خلال عين الله، واسْمَحْ لرأفة الله أن تغلبك دائمًا. واجعل هذه البصيرة الجديدة تنتصر على الكراهية الموجودة في قلبك وقلوب الآخرين.

* لِيَكُنْ هدفُك في الحياة خلاص الناس وليس مصلحتك الشخصيّة. ولا تَكُنْ مثل يونان الذي غضب واغتَمَّ لِتَوْبَة أهل نينوى وعودتهم إلى الله. فكلّ ما يُعيق توبة الناس ليس من الله!

* بادِرْ دومًا بِالمسامحة والحبّ والغفران. ولا تدعِ الشيطان يخدعك! وتَذكَّر قول يسوع لِتِلميذَيْه يعقوب ويوحنا: "لستُما تَعلمان مِن أيّ روحٍ أنتما". "أفلا يُشفِق الله على نينوى؟"

* الكره لا يقتل إلّا نفس الإنسان الذي يَكْرَه. فهلُمَّ إلى نبع المحبّة، واغتسل برأفته وحنانه، وغَطِّسْ ذاتك في نهر نعمة الله المُنَقِّيَة لحياتك. افتح قلبك لِيُنَقِّيَك من الكراهية. لا أريدك أن تموت. الكره يُغَيِّر طبيعتك، وملامح وجهك... حتّى إنّك لن تعرف نفسك فيما لو نظَرْتَ إلى المرآة فيما بعد.

"لِيَكُنْ فيكم من الأَفْكار والأَقْوال ما هو في المسيحِ يسوعَ أيضًا"

فَلْنُصَلِّ.

الكلمة

يوم 1يوم 3

عن هذه الخطة

إصنعني وعاءًا آخر

"اصنعني وعاء آخر" هي دعوة للتغيير. دعونا نتأمل سوياً مدى استعدادنا للتغيير والنمو الروحي. يمكن لهذه الخطة أن تلهمنا للسعي نحو التحول الروحي والبحث عن القوة والتجديد التي يمكن أن يقدمها الإيمان المسيحي لحياتنا.

More

نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/