إصنعني وعاءًا آخرعينة

إصنعني وعاءًا آخر

يوم 1 من إجمالي 6

الشخصيّة المطمئنة

عام 2002، كنت في براغ عاصمة تشيكيا، أمضي أوقات فراغي في السير على الجسر المشهور "تشارلز بريدج"، أستمتع بحذاقة فنّانين موهوبين يستطيعون خلال ثوانٍ قليلة، رسم صورة فنّية لوجهك، فتُسَرّ لرؤية الصورة الجميلة، القريبة جدًّا من الواقع... وكنت أُسائل نفسي: لو كانت لذاك الرسّام المُبدِع القدرة على رسم ذات الإنسان من الداخل، تُرى، كيف كانت تبدو تلك الصورة؟ ربّما كنّا سنرى صورة الداخل خلف الوجه البشع، جميلةً جدًّا. أو خلف شخص ناعم يُشبِه الحمل، كنّا سنرى في الداخل ذئبًا مفترسًا... وإذا أرسل الله ملاكه لِيرسمنا من الداخل، كيف كانت ستبدو صورة كلٍّ منّا؟ أيَّ نوعٍ من الناس ترغب أن تلتقي في أوّل زيارة لك لكنيسة ما مثلًا؟ ولأيّ نوع من الرجال ترغب أن تُزوِّج ابنتك وحيدتك التي ربَّيتها بدموع العين؟ أو كيف تُحِبّ أن تصف ذاتك، عندما تموت وتقف أمام المسيح، ويقول لك صِفْ نفسك؟

أمام كثرة الاهتمام بالوجه والشكل الخارجي، دون الجوهر والذّات من الداخل، سنتحدّث اليوم عن الشخصيّة الداخليّة والحقيقيّة للإنسان، ليس لِمعرفة "ماذا عليّ أن أفعل"، بل "كيف تريد أن تكون".

وأبدأ اليوم بِصفة "الشخصيّة المطمئِنَّة" التي نرغب في أن نكون عليها. وكما هي العادة، نبدأ بقراءةٍ من المزمور 23:

1 الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. 2 فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إلى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. 3 يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إلى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. 4 أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. 5 تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. 6 إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إلى مَدَى الأَيَّامِ.

- الله يُعطينا حاجتنا ويُسدِّد خطواتنا.

الكثير من الناس يُمكِن أن تُعوِزههم أمور كثيرة، لكنّ من له "راعي الخراف"، لا يُعوِزُه شيء، حتّى لو كانت ظروفه صعبة. فقد تعلّم كاتب هذا المزمور الطمأنينة الحقيقيّة والعيشَ مطمئِنًّا، فأنشد قائلًا: "الربّ راعِيَّ فلا يعوزُني شيءٌ"، فهو يعرف أنّ الربّ معه، وأنّ سرّ الطمأنينة في أن يضع أنظاره عليه. جميعنا نمرّ أحيانًا بظروف صعبة، فنتكلّم كلّ الوقت عن همومنا، في البيت وفي العمل، ونُؤَلِّه المشكلة، حتّى تأخذ مكان كلّ شيء في حياتنا. أمّا كاتب هذا المزمور فقد فهم أنّ سرّ الطمأنينة الحقيقيّة، ليس بتعظيم هموم الناس ومشاكلهم، بل بِتَمجيد مَن هو فوق كلّ المشاكل والهموم، لذلك قال: "الربّ راعيّ، فلا يُعوِزني شيء". ونقلَقُ أحيانًا أخرى ونخاف، إمّا لأنّنا نُريد أن نتحكَّم بظروف حياتنا ومستقبلنا، أو بسلوك الآخرين؛ وإمّا لأنّنا نُفتِّش عن استحسان، ورضى الآخرين. لذلك، فإن كنتَ تُفتِّش عن رضى الناس ومصادقتهم في كلّ ما تقوم به، فإنّك ستكون بعيدًا عن "الراعي"، وستقضي ساعاتٍ كثيرةً في حال قلق وبِلا نوم.

أعرف خادمًا، مرّ باختبارٍ مماثلٍ مؤلمٍ وتحوّل حزنه إلى يأسٍ شديدٍ، وأضحى يعيش بحبوب الأعصاب لكي ينسى همومَه، وكان طوال أربعة أشهرٍ لا يخرج من البيت مع زوجته، حتى إنّه وصل إلى حالةٍ يُرثى لها، وبدت ملامح الموت على وجهه. وكان يقوم بأفعالٍ غريبة، فلَحَظَت زوجته أنّه صار ينسى باب البرّاد مفتوحًا، أو يترك الحنفيّةَ مفتوحةً. قال له الطّبيب، الذي كان يُعالجه إنّ هذا الدَّواء سيجعله، في المستقبل، أكثر قلقًا وخوفًا. إلى أن أتى، في يومٍ من الأيّام، وسكب روحه أمام الله، بالتَّسبيح والعبادة، وطرح مخاوفه، وهمومه، وضعفه، وتواضع واستسلم، فزاره الرّاعي الصَّالح، وأتى إليه سيّد التَّاريخ، ومؤتي الأغاني في اللّيل، ولمسه، فقام إنسانًا جديدًا ممتلئًا فرحًا وسلامًا وطمأنينة. نعم يعطي يسوعُ النَّفسَ طمأنينةً حقيقيّةً لا يُوازيها ثمن. فلن تنجح نجاحًا مُستدامًا إن كنت تمرّ في حالةٍ من اليأس. بيد أنّه من المستحيل أن يعيش الإنسان العمرَ من غيرِ أن يختبرَ الحُزن، وحتّى اليأس أحيانًا، لكنّ النّجاح هو عندما نغلب الشّجون، والغمّ، ونعبر فوقهما.

- ماذا يفعل لي هذا الراعي الصالح؟

إنّه يقوم بأمور عديدة:

2 فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي (يُريحُني). إلى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي (يقودني) 3 يَرُدُّ نَفْسِي (يُنْعِشها). يَهْدِينِي إلى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. 4 أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. 5 تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ (تستجيبُني على مشهد من أعدائي) مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ (الطيب) رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا (تُرويني حتّى أشبع) 6 إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إلى مَدَى الأَيَّامِ.

"تُرَتِّب قدّامي مائدةً تُجاه مضايقِيَّ" أي إنّه يُغدِق عليّ بكلّ ما أنا بحاجته، مُتَحدِّيًا أعدائي، فلا أعود بحاجة إلى حمل سلاح لأحمي نفسي منهم، لأنَّه يُعطيني الطمأنينة مع أنّ الأعداء على الباب! لأنّ سرَّ الطمأنينة في مَن هو معي، وليس في السلاح الذي أحمِل.

- كيف تعرف أنّ الصوت الذي تسمعه، هو يأتي من "الراعي" وليس من الشيطان؟

* عندما تسمع صوتًا وأنتَ في خِضَمّ المشكلة، يقول: "مشكلتك "عويصة ومعقّدة"؛ "أنت الآن وحيد، وليس مَن يسأل عنك!" أو "ليس أمامك أيّ مخرج، فأنتَ إلى وادي الموت ذاهب!" كلّ هذه الأفكار تجول في رأسك، وإذا لم تخرج من هذه القوقعة، ستزيد من تعقيد أمورك. لذا، خذ نفسًا عميقًا، وارفع رأسك إلى فوق، وتذكّر أنّ الربّ يرعى أمور البشر ومحبّته هي لكلّ إنسان، ولك أنت بنوع خاص. ثمّ رَدِّدْ قول المزمور: "يَرُدُّ نفسي، يَهْديني إلى سُبُل البِرّ"؛ "إنّي إذا سِرْتُ في وادي ظلّ الموت، لا أخاف شرًّا"، فتتأكَّد عندئذٍ من وجوده بقربك.

* لفت انتباهي شَرْح تشارلز سبورجن لِقَوْل الكتاب "إن سِرْتُ في وادي ظلّ الموت"، إذ يقول إنّ "ظلَّ الموت، ليس هو الموت". فتذكَّرْتُ عندما كنّا صغارًا، والشمس عند المغيب، كنّا نقف ونرى خيالنا على الأرض كبيرًا كالمارِد. ولكنّ هذا المارد لا يقدر أن يفعل شيئًا! والموت مخيف إذا قرع بابك، ولكن إذا أتاك ظلّه، تستطيع أن تُدرك أنّ خلف الظلّ يوجد نور، نور الحياة مع المسيح، نور الانتصار، نور القبر الفارغ. مات الموت ودفنّاه، وتقبَّلْنا التعازي منذ ألفَي سنة. نعم، "عصاك وعكازُك تُعزّيانِني" الربّ يدافع عنك بِعصاه، يدعمك بِمحبّته، يشجّعك بِسهره عليك، فالتجئ إليه، تشعر بالأمان.

* عندما تسمع صوتًا يقول لك: "أنت لست نافِعًا، أنت لا قيمة لك! أنت حقير. أنت حفنة تراب". تأكَّد من أنّ هذا الصوت ليس صوت "الراعي" الصالح. لا بل تذكَّرْ أنّ الربّ يقول في المزمور: "مسحْتَ بالدُّهْنِ رأسي!". فأنا إذًا ملك، كاهن، ابن، وأكثر من ذلك، أنا موضوع اهتمامه. لذا عليّ أن أفرح وأبتهج، لأنّه بذل نفسه لأجلي! (عندما يمرض الولد، يكون مرضه بدون قيمة في أعين العالم، ولكنّه يكون أغلى من كلّ هذا الكون في عينَي أمّه). النفس المطمئنّة، الشخصيّة الآمنة، هي التي تُردِّد مع صاحب المزامير: "الربُّ راعِيَّ" (بالمفرد المتكلِّم)، أنا في حضنه وهذا يكفيني.

* يُحاوِل الشيطان أحيانًا، أن يخطف منك هذه العلاقة الحيّة مع المسيح. وعندما لا ينجح، يُحاوِل أن يُدمِّر علاقتك بزوجتك وعائلتك، وأن يخطفك من نفسك، لكي يُدمِّر علاقتك مع الله. ويُحاوِل بشتّى الطرق والأساليب أن يجُرَّك إلى جانبه (فيدخل بيتك، يدخل مخدعك، يجلس بينك وبين زوجتك... يُخَرِّب بيتك). إبليس خصمكم يجول ملتمسًا من يبتلعه. أنتَ لا تستطيع أن تمنعه من أن يجول حولك، ولكنّك تستطيع أن تمنعه من أن يتربّع على عرش قلبك. فلا تعطِ إبليس مكانًا.

أرغب اليوم في أن أُشجِّع الغارقين في بحر الهموم الهائج، الذين لا يستطيعون النوم بسبب القلق، أو الخوف... آباء، وأمّهات، وأولادًا، وموظّفون، وخدّامًا، ورعاة يمرّون بمراحل فيها صعوبة أو عدم اطمئنان؛ أو الذين يشعرون في داخلهم بإعصار يضرب كيانهم، فتسير الأمور عكس ما يرغبون، وتنهار قواهم، وتُظلِم الدنيا في عيونهم... أن يَعْمَدوا إلى الاختلاء مع الربّ، وطلب معونته بإيمان قويّ لِيُنقِذهم من شدائدهم.

الرب راعيّ فلا يعوزني شيء... الشخصية المطمئنة هي نتيجة، شخصيّة واثقة بإلهها، وواثقة من أنّها تعرفه معرفة شخصيّة، لأنّها تقضي وقتًا معه.أمّا كيف أصبح مطمئنًا؟ عندما أصبح واثقًا بالرب؛ وكيف أصبح واثقًا؟ عندما أتعرَّف عليه في حياتي؛ وكيف أعرفه؟ فعندما آتي اليه، وأفتح له باب قلبي، فيدخل ويتعشّى معي.

في الختام، عندما نتساءل عن سبب المشاكل مهما كانت، نجد أنَّ المستوى التربويّ والثقافيّ والإيمانيّ هو السبب، وليس الوضع الاقتصادي. وإذا نظرنا إلى سبب انهيار عالمنا، وجدنا أنّ السبب هو الشخصيّة الفاسدة لِمعظم الزعماء والقادة، وليس أداؤهم.

فأيّ شخصيّة تريد أن تكون؟ إن أردْتَ شخصيّة مطمئنّة، فتعال إلى يسوع ليُشَكِّلَ شخصيَّتك التي تُريد. لن يُخلِّصك من الأعداء، بل سيُعطيك سلامًا وأمانًا وقوّة في وجه أعدائك. أنت لست ضعيفًا، أنت محبوب، فتعال إلى يسوع. أنت لست مهزومًا، تذكَّرْ قول المزمور: "يردُّ نفسي يَهديني إلى سبل البِرّ من أجل اسمه. الربّ راعي فلا يعوزني شيء". لا شيء يحدث من غير إرادة الله وعلمه. فهو مُمْسِك بزمام الأمور مهما اسودّ الليل، ومهما عصفت الريح، ومهما هاجت البحار.

فَلْنُصَلِّ.

يوم 2

عن هذه الخطة

إصنعني وعاءًا آخر

"اصنعني وعاء آخر" هي دعوة للتغيير. دعونا نتأمل سوياً مدى استعدادنا للتغيير والنمو الروحي. يمكن لهذه الخطة أن تلهمنا للسعي نحو التحول الروحي والبحث عن القوة والتجديد التي يمكن أن يقدمها الإيمان المسيحي لحياتنا.

More

نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/