إصنعني وعاءًا آخرعينة
الشخصيّة المتواضعة
التواضع صفة محمودة تدلُّ على طهارة النفس، وتدعو إلى المودّة والمحبّة والمساواةبين الناس، وتَنْشُر الترابط بينهم، وتَمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس. وهي صفة تُقال في مَن لا يَسعى إلى تعظيم ذاته في المجتمع، بل يَسعى إلى مجدٍ يُغْدِقُه الله عليه في إطار اكتساب صفات حسنة تُقرِّبه من الوصول إلى الكمال.
في إطار اكتساب هذه الشخصيَّة الكاملة، والبعيدة قدر الإمكان عمّا يُبْعِدنا عن صورة الله، نَتحدَّث اليوم عن الشخصيّة المتواضعة، علْمًا أنّ الحديث عن الشخصيّة المتواضعة ليس سهلًا، فالإنسان في طبعه ميّال إلى الكبرياء وحبّ التسلّط والظهور. ورغم ذلك فأنا أُحبّ، وبكلّ صدق، أسعى لأن تكون شخصيّتي متواضعة. فالمتواضع هو شخص يعرف حجمه، لا يُحبّ التظاهر بما ليس هو عليه، لا يحتقر، ولا يزدري... المتواضع هو شخصٌ يتجاوب مع آراء الآخرين ونصائحهم. المتواضع هو شخصٌ لديه الإرادة أن يُقدِّم الاحترام والاعتبار والتقدير للآخرين، من غير أن يطلب المجد لِنفسه. المتواضع هو شخص يعترف بِنقاط ضعفه، وأيضًا بِأنّ مواهبه وقدراته وإنجازاته هي له من الله.
مقدمة:
كيف تظهر أنّك متكبِّر؟
-إن كنتَ تشعر بالإهانة، والإحساس بالجرح من كلام أو تصرّف الآخرين ضدَّك...
-إن كنتَ تشعر بِالحزن والغضب إن لم يُؤخذ برأيك؟ أو إذا لم يُعمل باقتراحك أو برأيك.
-إن كنتَ شخصًا متشبّثًا بِرأيه، إن على صواب أو على خطأ، ولا يُعير رأي الآخرين اهتمامًا.
-إن كنت تُحِبّ أن تعمل الخير أمام أعين الناس، لِيُقال عنك: "إنّه فاعل خير!".
-إن كنتَ تُحِبّ دومًا أن تتكلّم عن نفسك، وكأنَّك فريد في هذا العالم.
-إن كنتَ شخصًا لا يقبل الانتقاد، ولا يعترف بالخطأ.
-إن كنتَ ترغب دومًا في التعاطي مع المسؤول، لِتُظْهِر أنّك خيرٌ من الآخرين.
-إن كنتَ تُحبّ الظهور أو تُحاول أن تلفت انتباه الآخرين (فتتكلَّم بصوتٍ عالٍ؛ أو تُشاكِس في تصرّفاتك لِتظهَر أنّك الأفضل!...).
-إن كنتَ تقاوم السلطة والنظام وكلّ من يُخالِفك الرأي، ولا ترغب بِالخضوع.
وتَطول قائمة الأوصاف التي تدلّ على كبرياء الأشخاص. لكنِ اعْلَمْ أنّ أهمّ قادة العالم الذين أثّروا بِشكل إيجابيّ في العالم، تَحَلَّوا بالتواضع رغم كلّ السلطة التي كانت بأيديهم. فنيلسون مانديلّا مثلًا، لم يكن يقبل أن يُرتِّب له أحدٌ سريره! وغاندي، الذي حرَّر الهند من الاستعمار البريطاني، كان متواضعًا... واعْلَم خصوصًا أنّ "الله يقاوم المُستكبرين، أمّا المُتَواضِعون فَيُعْطيهم نعمة." (1 بطر 5: 5).
يقف الله إلى جانب الإنسان، طالما وقف الإنسان في جانب الله، لكن عندما يتكبّر الإنسان، يدخل في صراع بينه وبين الله. وكلّما تكبّر الإنسان، يكون الله حاضرًا، حسبما يقول سفر الرؤيا 20: 11 "رأيْتُ عَرْشًا عَظيمًا والجالسَ عليه الذي مِن وَجْهِهِ هَرَبَتْ الأرضُ والسماءُ، ولم يوجَد لهما موضِع"، لِيَقِف بالمواجهة ويكون بذاته ضدّ كبرياء الإنسان.
وسأُقدِّم هنا مثلَيْن من الكتاب المقدَّس، لِنَفهم خطورة التكبُّر:
المثل الاول: نختاره من سفر التكوين الفصل الثاني: خلق الله آدم وحواء وقال: "من جميع شجر الجنّة تأكل أكلًا، وأمّا شجرة معرفة الخير والشّر فلا تأكل منها. لأنَّك يومَ تأكلُ منها موتًا تموت". وفي الفصل الثالث: قالت الحيّة، التي ترمز إلى إغواء الشيطان: "أَحَقًّا قالَ الله لا تأكلا من كلّ شجرة الجنّة؟" قالت المرأة: "من ثمر شجر الجنّة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنّة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تَمَسّاهُ لِئلّا تموتا". فقالت الحيّة في تكوين 3: 5 "لن تموتا، بل الله عالم أنَّه يوم تأكلان منه تنفتح أعينُكُما وتكونان كالله عارفَيْن الخير والشرّ". ولمّا أكل آدم وحوّاء من ثمر الشجرة، طُرِدا من الجنّة. لأنَّه عندما يُريد الإنسان أن يكون "الرقم الأوّل" في المواجهة مع الله، يسقط حتمًا.
يقول بولس في فيلبي 2 "الذي إذْ كانَ في صورة الله، لم يَتمسَّك بِمساواتِه بِالله كأنَّها غنيمة، لكنّه أخلى نفسه آخِذًا صورة عبْدٍ، صائرًا في شبه الناس. ووضعَ نفسه وأطاع حتّى الموتِ، موتِ الصَّليب، لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه الاسمَ الذي يَفوق كلّ الأسماء". وتُضيف هذه الآية: " كِبْرِيَاءُ الإنسان تَضَعُهُ، وَالْوَضِيعُ الرُّوحِ يَنَالُ مَجْدًا" (أمثال 28: 23). فتكون النتيجة إنّه إذا تكبّر الإنسان سقط، وإذا تواضع رُفِع. فأيّ شخصيّة ترغب في أن تكون أنتَ عليها؟
المثل الثاني: نأخذه من القصّة التي في الفصل 11 من سفر التكوين، الذي يتحدَّث عن بِناء برج بابل. ما يجب أن نعرفَه أنَّ الأرض كانت كلّها لِسانًا واحدًا، فقال هذا الشعب في العدد 4: "هلمَّ نَبْنِ لِأنفسنا مدينةً وبرجًا رأسه بِالسماء، ونَصْنَع لِأنفسنا اسمًا لِئلّا نَتَبَدَّد على وجه الأرض". (نصنع لأنفسنا اسمًا!) ماذا تعني كلمة "اسم" هنا؟ يقول لنا المدراش إنّ "شيم" تعني "صنم". وبالتالي هلمَّ نصنع من نفوسنا آلهة مكان الله، ونأخذ المكان الأوّل! "فنزل الربّ لِيَنظر المدينة، وبَلْبَلَ لِسانهم" (تك 11: 5)... "ومِن هُناك بَدَّدهم الربّ على وجهِ كلّ الأرض..." (تك 11: 8).
وهنا أيضًا نجد المُعادلة نفسها: فحين أراد بنو البشر (تكوين 11) أن يصنعوا لأنفسهم اسمًا عظيمًا، بَدَّدهم الربّ على وجه الأرض، لكنّه لم يُنْهِ هذا النسل... في المُقابل، حين "تكلّم مع ابراهيم وقال له: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك. فأجعلك أُمّة عظيمة وأُبارِكُك وأُعظِّم اسمك، وتكون بركة" (تك 12: 1-2). أطاع ابراهيم إرادة الربّ، فَباركه (تكوين 12: 2) وجعل نسله كنجوم السماء ورمل البحر الذي لا يُعَدُّ لِكَثْرَته. ومرّة أخرى كبرياء الإنسان تضعُه، والوضيعُ الروحِ يَنال مجدًا. (أمثال 28: 23). وكلّ مَن يرفع نفسه يَتَّضِع، ومَن يَضَع نفسه يرتفع.
فما هو المطلوب إذًا لِتكون لي شخصيّة متواضعة؟
* عليك أوّلًا أن تعرف وتتأكَّد أنّ قيمتك في عينَي المسيح كبيرة، لأنّه افتدانا جميعًا (وأنتَ خصوصًا) بِموته على الصليب. وقد افتدانا ليس لِمواهبنا أو أعمالنا، بل لأنَّه أحبَّنا وجعلنا أولاده. فعليكَ أن تقف بكلّ تواضع أمامه، لِتكون شاكرًا له صنيعه.
* أُطلب العِلْم باستمرار،"مَلْأى السنابل تنحني بِتواضع، والشامِخاتُ رؤوسهنَّ فارغة".فإنّ العلم القليل يُبْعِدُ عن الله، والعِلمَ الكثير يُقرِّب منه! وكلّما ازدَدْتَ عِلمًا ازدَدْتَ تواضعًا. لكنِ انْتَبِهْ! لا يُساعدك "الفايس بوك" و"الإنستغرام" ومُشاهدة التلفاز على الازدياد من العِلم، لأنَّها تُلْهينا عن الله.
* اسْتَغِلَّ الفُرَص المُتاحة لِتَخْدم الآخرين. كُنْ لطيفًا، واحترِم مَن تعيش معهم، وسارِعْ لِتَغْفِرَ هفواتهم.
* كُنْ على تواصلٍ مع شخصٍ قريب منك، واطلُبْ منه أن يُنبِّهك كلّما تصرَّفْتَ بِكبرياء، أو يشجعك على التواضع.
* اِجْتَهِدْ أن تتعلّم من الجميع حتّى من أعدائك،فكلّ إنسان لديه شيء يُعلِّمنا إيّاه.يقول جبران: "تعلّمت الصمت من الثرثار، والاجتهاد من الكسلان،والتواضع من المتكبّر، والغريب أنّي لا أُقِرّ بفضل هؤلاء المعلّمين".
* عِشْ حياتك مُدْرِكًا أنّ الله فوقك، واشكر الله كلّ اليوم على أنَّه اختارك على الرغم من كونه يستطيع أن يُحقِّق خطّته من دونك.
* تَجَنَّبْ أن تتكلَّم عن نفسك، فذلك يحميك من حبّ الظهور والأنانية؛ بالأحرى أَوْجِد الفرص لِتَمدح الآخرين على ما يقومون به، فذلك يحميك من امتِداح نفسك.
* حارب الكبرياء يوميًّا في حياتك، فهو مثل الشَعر ينمو باستمرار. دَعْ شَفْرَة الروح القدس تَحْلِقه كلّ يوم.
* اُطْلُبْ بَركةً مضاعفة على حياة الآخرين، كلَّ مرَّة تُصلّي.
* إن كنتَ تتألَّم، أُشْكرِ الله، واصْلِبْ ذاتك مع المسيح لِيَحيا فيك وتَحيا معه. فَكَمْ مرّةً يَقودنا الألم إلى التواضع.
فَلْنَطلُبْ من الربّ أن يَمُنَّ علينا بأن نسلك دومًا بِتواضع ورأفة.
وَلْنُصَلِّ.
الكلمة
عن هذه الخطة
"اصنعني وعاء آخر" هي دعوة للتغيير. دعونا نتأمل سوياً مدى استعدادنا للتغيير والنمو الروحي. يمكن لهذه الخطة أن تلهمنا للسعي نحو التحول الروحي والبحث عن القوة والتجديد التي يمكن أن يقدمها الإيمان المسيحي لحياتنا.
More
نود أن نشكر Resurrection Church على توفير هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة: https://www.rcbeirut.org/