سفر الرؤياعينة

اليوم 2: الخلفية التاريخية (التاريخ)
يُشيرُ المفسِّرون الإنْجيلِيون إلى أحدِ تاريخَين مُحتملَين لِكتابةِ كتابِ الرؤيا: تاريخٌ مُبَكِّرٌ خلالَ زمنِ الإمبراطورِ الروماني نيرون، وتاريخٌ متأخرٌ في زَمنِ الإمبَراطورِ الروماني دومتيان.
1) نيرون:
حَكمَ الإمبراطورُ الرومانيُّ نَيرونُ من عامِ ٥٤-٦٨ م، ويميلُ المؤرخون الذينَ يُؤيدونَ تاريخَ الكتابةِ في زمنِ نيرون إلى اقتراحِ تاريخٍ للكتاب نحوَ نهايةِ حُكمِ نيرونَ. في المرحلةِ الباكرةِ من حُكمِ نيرونَ، كان لمستشاريه الأكفاءِ تأثيرٌ كبيرٌ على حياتِه. لكنْ مَع مرورِ الوقتِ فَسُدَ حُكمُه بشكلٍ كبير. وقد اشتُهِرَ نَيْرون بإلقائه اللومَ على المَسيحيين في حَريقِ روما سنةَ ٦٤ م، واستندَ إلى هذه التُهمة ليَضطهدَ أعداداً كبيرةً من المسيحيين.
أما الحُججُ التي تدعمُ تاريخَ كتابةِ كتابِ الرؤيا في السنواتِ الأخيرةِ لحُكمِ نيرون، فتستندُ على الأقلِ إلى ثلاثةِ مصادرَ للمعلومات، المصدرُ الأولُ الرئيسيُّ هو إشارةُ يوحنا إلى السبعةِ ملوك.
في الرؤيا ١٧، يُقدِّمُ يوحنا وصفاً لوحشٍ قرمزِّيٍّ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ. وفي الأعدادِ ٩-١١، يُعلنُ أن السبعةَ الرؤوسِ تُمثِّل سبعةَ ملوك. ويتفقُ مُعظمُ المفسِّرين أن هؤلاءِ الملوكَ السبعةَ هُم أباطرةٌ رومان. يُعتبرُ يوليوسُ قَيصرُ أحياناً إمبراطورُ روما الأول. ثم يتبعهُ الأباطرةُ أُغُسطُسُ، وطيباريوسُ، وكاليجولا، وكلوديوسُ، ونيرونُ وغالْبا. في الواقع، في الرؤيا ١٧: ١٠، توجدُ إشارةٌ إلى أن ملكَ روما السادسَ كان في السلطةِ عندما استلمَ يوحنا رؤاه وكتبَ كتابَ الرؤيا. وهذه الإشارةُ قادتْ العديدَ من المفَسّرينَ إلى الاستِنتاجِ بأن رؤيا يوحنا كُتب أثناءَ حُكمِ نيرون.
الحُجَّةُ الثانيةُ الرئيسيّةُ التي تُستخدَمُ لدَعمِ كِتابةِ يوحنا الكتابَ في زمنِ نيرونَ، هي إشارتُه إلى الهيكلِ اليهودي. يشيرُ يوحنا إلى الهيكلِ بشكلٍ خاصٍ في الرؤيا ١١، وقد استنتجَ بعضُ الدارسين من ذلكَ أن الهيكلَ اليهوديَّ في أورُشليمَ كان ما زالَ قائماً عندما كُتب كتابُ الرؤيا. أما التاريخُ، فيدوّنُ لنا أن هيكلَ أورشليمَ دُمرَ سنةَ ٧٠ م، أي بعد سنتَينِ من انتهاءِ حُكمِ نَيرونَ. من هنا، إن كانَ الهيكلُ لا يزالُ موجوداً عندما كُتب كتابُ الرؤيا، فهذا يرجِّحُ أن يكونَ قد كُتبَ في زمنِ نيرون.
أما العاملُ الثالثُ الذي قد يُشيرُ إلى تاريخٍ في زمنِ نَيْرون، فهو أن يوحنا قد كَتَبَ في فَترةِ اضطِهاد. يشيرُ كتابُ الرؤيا تَكراراً إلى أن الذين يَكتبُ إليهِم يوحنا يتألمون. ونجدُ ذلكَ في الرؤيا ١: ٩؛ ٢: ٩،١٠،١٣؛ ٦: ٩ و٢٠: ٤. وكما سبقَ وذكَرْنا، فقد كانَ نَيرونُ معروفاً بتشجيعِه على اضطِهادِ المَسيحيين. لم يكنْ الإمبراطورُ الوحيدُ الذي فعلَ ذلك، لكنه أولُ من فعلَ ذلكَ بطريقةٍ بارزة، على الرغمِ من اقتصارِ اضطهاداتِه عامةً على مَنطَقةِ روما.
رُغمَ عدمِ وجودِ دَليلٍ تاريخيّ على امتدادِ الاضطهادِ إبانَ حُكمِ نَيرون إلى مناطقَ جديدةٍ خارجَ روما، فلا يُمكنُ استبعادُ هذا الاحتمال. مما يدعمُ تاريخاً للكتابِ أثناءَ حُكمِ نَيرونَ.
لكن، رغمَ أن الحُججَ التي تدعمُ تاريخَ كِتابةِ الرؤيا أثناءَ حُكمِ نيرونَ لها وزنُها، فهي لَيست مُقنعةً تماماً. فهناكَ عدةُ اعتراضاتٍ على هذا الرأي.
أولاً، يوليوسُ قيصرُ ليسَ في الواقعِ إمبراطوراً. كان خَليفُتُه أُغُسطسُ أولَ من ادَّعى هذا اللقب. من هنا، قد لا يكونُ يوليوسُ قَيصر الملكَ الأولَ بين الملوكِ السبعةِ المَذكورين في الرؤيا ١٧: ٩-١١.
ثانياً، كما سبقَ وذكَرنا، يُشيرُ الرؤيا ١١ إلى الهيكل. لكن أُخبرَ يوحنا في الرؤيا ١١: ١-٢ بأن كلَ الهيكلِ باستثناءِ الدارِ الخارجيةِ هو مَحميٌ من الأمم. في المُقابل، نقرأُ في متى ٢٤: ١-٢، أن يسوعَ نَفسَه سَبقَ وتَنبأَ بأنَ هيكلَ أورُشليم سيُدَمّرُ على أيدي الأُمَم. لذا، من الصعبِ التأكدِ أن الرؤيا ١١ يُشيرُ إلى الهَيكلِ الذي دُمِّر سنةَ ٧٠ م.
ثالثاً، رُغمَ أنَه من الممكنِ أن يكونَ اضطهادُ نيرونَ قد امتدَّ خارجَ آسيا الصُغرى، فلا يوجدُ دليلٌ تاريخيٌّ على أن ذلك قد حصلَ فعلاً. لذلك، من الصعبِ نَسَبُ وَصفِ يوحنا للاضطِهادِ المسيحي مُباشرةً إلى نَيْرون. إن صُعوباتٍ من هذا النوع، جعلتْ معظمَ الإنجيليين يفضِّلون تاريخاً متأخراً لكتاب الرؤيا.
2) دومتيان:
يميلُ الدارسونَ الذين يفضِّلون تاريخاً متأخراً لكتابةِ الرؤيا إلى وَضعِ الكتابِ إبانَ حُكمِ الإمبراطورِ الرومانيِّ دومتيان الذي حَكمَ من عامِ ٨١-٩٦ م. يُمكنُ الإشارةُ على الأقلِ إلى أربعةِ عواملَ تؤيدُ كتابةَ الرؤيا في هذا التاريخ.
أولاً، أشارَ العديدُ من آباءِ الكنيسة الأولين إلى كتابةِ الكتابِ في ذلكَ الوقت. على سبيلِ المِثال، في مُؤَلفِه ضد الهرطقات المجلدِ ٥ الفصلِ ٣٠، والجُزءِ ٣، يُخبرُنا أحدُ آباءِ الكنيسةِ الأوائلِ إيريناوسُ أن كتابَ الرؤيا كُتب "نحو نهايةِ حُكمِ دومتيان". وقد ذكَرْنا في بِدايةِ هذا الدرسِ أن إيريناوسَ كان تلميذاً لبوليكاربوس، وهذا كانَ بدورِه تلميذاً للرسولِ يوحنا. لذلك يوجدُ سببٌ وجيهٌ يَجعلُنا نثقُ بشهادةِ إيريناوسَ في هذه المسألة.
ويَتفِقُ هذا التاريخُ مع شَهادةِ بَعضِ آباءِ الكنيسةِ في القرنِ الثاني، مثلِ أكليمَندُسَ الإسكندريَّ الذي أشارَ ضِمناً إلى أن يوحنا أُعيدَ من النفي بعدِ موتِ دومتيان.
هناك عاملٌ ثانٍ يَدعمُ تاريخاً للكتابِ إبانَ حُكمِ دومتيان، وهو الإشارةُ ذاتُها إلى السبعةِ ملوك التي يستخدمُها بعضُ المفسِّرينَ ليدعموا تاريخاً للكتابِ إبانَ حُكمِ نيرون. كما رأَينا، في الرؤيا ١٧: ٩-١١، يَشرحُ لنا يوحنا أن الرؤوسَ السَبعةَ للوحشِ القِرْمِزِيّ هي سبعةُ ملوك. والذين يُدافعون عن تاريخٍ للكتابِ أثناءَ حُكمِ دومتيان ينظرونَ إلى الملوكِ السبعةِ كمُضطهِدين قُساةٍ للكنيسة. من هنا، بدلَ أن يَحسِبوا كلَّ الأباطرةِ الرومانِ، يَحسبون فقط الأباطرةَ الذين اضطهدوا الكنيسةَ اضطهاداً شديداً.
ووِفقَ هذا الحِسابِ، يكونُ كاليجولا الإمبراطورَ الأول. وهو مَلَكَ من عام ٣٧-٤١ م. وكلوديوسُ هو الإمبراطورُ الثاني، وقد ملك من عامِ ٤١-٥٤ م. ونَيرونُ هو الثالث، وقد ملك من عام ٥٤-٦٨ م. ثم يَغفُلون ثلاثةَ أباطرةٍ صِغاراً بعد نيرون لعدم قيامِهم بأي اضطهادٍ للكنيسة. أما الإمبراطورُ الرابعُ الذي اضطهدَ الكنيسةَ فهو فَسباسْيان، وقد مَلكَ من عام ٦٩-٧٩ م. والخامسُ هو تيطُس الذي مَلكَ من عامِ ٧٩-٨١ م. أما السادسُ الذي يُفترضُ أن يكونَ كتاب الرؤيا قد كُتبَ في زمنِه، فهو دومتيان الذي حكمَ من عامِ ٨١-٩٦ م.
أما العاملُ الثالثُ الذي يشيرُ إلى كتابةِ الرؤيا إبانَ حكمِ دومتيان فهو اضطهادُ المسيحيين. وِفْقَ العديدِ من المؤرِخين، اضطَهدَ دومتيانُ الكنيسةَ خارجَ روما بشكلٍ أوسعَ من أيِّ إمبراطورٍ آخر. فعلى سبيلِ المِثال، في سنةِ ٩٦ ميلادية كتبَ أكليمندسُ الرومانيُّ رسالةً إلى أهلِ كورنثوسَ تحدَّثَ فيها عن مِحَنٍ وبَلايا أصابَتْهم فَجأةً وبشكلٍ مُتكرِر. وهذه المحن والبلايا تُوحي باضطهادٍ أكثرَ انتظاماً عانى منه المسيحيونَ في أيامِ دومتيان. ويُحكى أنه كان يَخشى عودةَ المسيحٍ حتى قيل إنه أعدمَ ابنَ عمهِ فلافيوسَ كليمنس لأنه كان مسيحيّاً.
أما السببُ الرابعُ وراءَ اقتراحِ تاريخِ كتابةِ الكتابِ في زَمنِ دومتيان، فهو مطالبةُ دومتيانَ بعبادةِ الإمبراطور. يَظهرُ مَوضوعُ عِبادةِ الإمبراطورِ في أجزاءٍ عِدةٍ في كتابِ الرؤيا. فمثلاً: في الرؤيا ١٧: ٩-١١ نرى الوحشَ الذي يُمثِّلُ السبعةَ الملوكَ يَطلبُ أيضاً من الناسِ أن تعبُدَه كما ورد في الرؤيا ١٣، ١٤، ١٦. وقد يشيرُ هذا التَكرارُ إلى كونِ كتاب الرؤيا قد كُتب خلال زمنِ الإمبراطورِ الرومانيِّ الذي أمرَ المسيحيين بعبادتِه.
لا يوجدُ دليلٌ على أن نيرونَ طالبَ الشعبَ بعبادتِه. لكنَّ دومتيانَ طلبَ ذلكَ بوضوح. وعرَّضَ المسيحيون أنفسَهم لغَضبِه في كل مرةٍ رَفضوا الاعترافَ بزعمِه أنه ربٌ وإله. وكان دومتيانُ يستهِلُّ كلَّ رسائِله بالعبارةِ ربُنا وإلهُنا يأمر، ويطلبُ من رعاياه أن يُنادوه بهذه الطريقِة. كما صنعَ لنفسِه تماثيلَ من ذهبٍ وفِضَةٍ ووَضَعَها في هياكلِ الآلهةِ الرومانية.
لكنّ الرأيَ القائلَ بأنَّ يوحنا كتبَ في زمنِ دومتيان، له كذلك ضعفاتُه. على سبيلِ المثال، لم يُشِرْ يوحنا إطلاقاً إلى كونِ الملوكِ السبعةِ في الفَصلِ ١٧ هم مضطهِدون بارزون للكنيسة. كما لم يُشِر قطُّ إلى دَمارِ الهَيكلِ في أورُشليمَ سنةَ ٧٠ م، وكان حدثَ قبلَ زمنِ دومتيان.
لا يُمكننا أن نَعرِفَ بالتحديدِ تاريخَ كتابةِ يوحنا لسفرِ الرؤيا. لكنْ يبدو أنَّ هناكَ دلائل كثيرة للرأيِ القائِلِ بأنَه كُتبَ أثناء حُكمِ دومتيان. والمفسِّرون الذين يَدعمونَ هذا الرأيَ يَقترحونَ تاريخاً حوالي سنة 95 م في نهايةِ حياةِ دومتيان، قبل أن يُطلَقَ سَراحُ يوحنا من بَطمُس.
الكلمة
عن هذه الخطة

يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم ذلك، فإن الرسالة العامة واضحة: يسوع الملك سيعود بانتصار.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: