سفر الرؤياعينة

اليوم 22: الملكية (ملكية الله)
كما ذكرنا سابقًا، يحكم الله في ملكوته بطرق تشبه الاتفاقات القديمة بين الدول، لا سيما تلك التي بين الأباطرة العظام أو الملوك الأسياد والممالك التابعة التي تخدمهم. كما سلطنا الضوء أيضاً على ثلاث سمات مشتركة لهذه الاتفاقات أو العهود في علاقة الله مع شعبه: فإحسان الملك السيد نحو الملك الخادم مشبّه بإحسان الله نحو شعبه. والولاء أو الطاعة التي يطلبها الملك السيد من الملك التابع تشبه الولاء الذي يطلبه الله من شعبه. والنتائج التي تترتب عن ولاء الملك التابع أو عدم ولائه تشبه البركات التي يهبها الله لأولئك المخلصين له واللعنات ضد غير المخلصين له. وهذه السمات الثلاث للعهد بارزة في كل كتاب الرؤيا.
ملكية الله:
أجزاء كثيرة من الكتاب المقدس، مثل المزمور ١٠٣: ١٩، تصف الله كملك كلّي القدرة، ومتسلط على كل الخليقة. وله القدرة الكاملة والسلطان على كل ما خلقه. وهو يمارس تلك القدرة وذلك السلطان من خلال إدارته للكون وجميع المخلوقات التي فيه.
غالباً ما يتحدث كتاب الرؤيا عن الله كملك الخليقة الأعظم، ويشدّد على ملكه الفعال والقوي على كل الكون. ونجد ذلك في تحية يوحنا إلى قرائه في الرؤيا ١: ٤-٦. يصوّر الفصلان ٤ و٥ من كتاب الرؤيا مشهداً مذهلاً عن البلاط السماوي. ونجده أيضاً في حقيقة تجمع الجموع من كل قبيلة أمام عرش الله السماوي وتسبيحه في الرؤيا ٧: ٩-١٠. كما يمكن أن نرى ذلك أيضاً في تسبيح الملائكة في العدَدين ١١ و١٢. ونجد ذلك في الإشارات المستمرة إلى الله وهو جالس على عرشه في باقي كتاب الرؤيا (مثال: الرؤيا ١: ٤-٦).
كما هي الحال بالنسبة لأباطرة الشرق الأدنى القديم، عيّن الله خدّاماً لينفذوا أوامره، ملوكاً تابعين يسودون على مملكته ويديرونها بالنيابة عنه. بشكل عام أسند الله هذا الدور إلى الجنس البشري، تحت رياسة سلسلة من مدبري العهد.
كما رأينا سابقًا، نشأت تدبيرات العهد في ستة عهود رئيسية قطعها الله مع شعبه: وهي العهود مع آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وداود والمسيح. العهدان الأولاًن المقطوعان مع آدم ونوح حدَّدا الله كالملك السيد على كل الأرض، والجنس البشري كالأمة التابعة التي نفذت مشيئته على الأرض. وتحت أحكام هذه العهود، تستمر سيادة الله بالامتداد إلى كل أمم الأرض ويبقى كل شخص مسؤولاً أمامه.
بعد عهديه مع آدم ونوح، قطع الله عهوداً مع إبراهيم وموسى وداود ما بسط ملكه بطريقة مميزة على أمة إسرائيل القديمة (الخروج ١٩: ٤-٦).
في العهد مع داود بصورة خاصة، ثبّت الله سلالة داود الملكية كقناة لبركات الله ودينوناته على شعبه. ويشار إلى هذا العهد في مقاطع مثل ٢ صموئيل ٧: ١-١٧، والمزمورَين ٨٩ و١٣٢. وهو يعلن أن أبناء داود هم ملوك الله التابعين وهم يمثلون كل مملكة إسرائيل أمام الله. وكما هي الحال في كل العهود الأخرى، أظهر الله إحسانه، وتوقع الولاء وذكّر بيت داود بنتائج بركاته ولعناته.
لاحقاً في تاريخ إسرائيل، فشل المتحدرون من نسل داود فشلاً ذريعاً، بحيث وقعت كل أمة إسرائيل تحت قصاص الله وسيقت إلى السبي. ولكن حتى في السبي، تنبأ أنبياء إسرائيل أنه في الأيام الأخيرة سيجدّد الله عهده من خلال ابن بار لداود. وفي إرميا ٣١:٣١، يشير النبي إرميا إلى هذا التجديد بالعهد الجديد. وهذا العهد الجديد سيكون ذروة إظهار الله لإحسانه: فهو سيحوّل قلوب شعبه بحيث تصبح موالية له. وهم سيتمتعون ببركات العهد الأبدية، ولن يقعوا تحت القصاص من جديد. وفي الوقت نفسه، سينزل الله الدينونة الأبدية على كل الذين عارضوه، وعارضوا مَلِكَه الخادم وشعب مملكته.
وكان القصد دائماً من عهود الله مع داود وشعب إسرائيل في القديم، أن تمتد بركات العهد أبعد من داود وإسرائيل. وكان من المفترض من مُلك الله على بيت داود أن يفيد أمة إسرائيل بأسرها، وأن يستفيد العالم بأسره من بركات إسرائيل. ونرى ذلك في المزمورين ٢ و٦٧؛ وإشعياء ٢: ٢-٤ وعاموس ٩: ١١-١٥. سيرسل الله فادياً من خلال بيت داود، وهذا الفادي سيخلّص إسرائيل. ومن خلال إسرائيل سيخلّص الخليقة بأكملها.
وفي الوقت الحاضر، الله يفدي الكنيسة من خلال المسيح، ويدخلنا في شركة مع شعب عهده المقدس. ونتيجة لذلك، فإن الكنيسة هي الآن امتداد لذلك التراث الروحي الواحد مع أمة إسرائيل في العهد القديم. انظر كيف يُعبَّر عن علاقة العهد هذه في الرؤيا ١: ٥-٦:
وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ... الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ.
وتشير هذه الأعداد أنه بما أن يسوع مات ليحرّرنا من خطايانا، صرنا الآن مُلكاً لله، وشعبه الخاص. ونحن نحمل الآن اللقب ذاته الذي أعطاه الله لإسرائيل في العهد القديم: ملوكاً وكهنة.
أعطى الله هذا اللقب لإسرائيل القديمة في الخروج ١٩: ٦، حيث كانت إحدى بركات العهد أن يكونوا: مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً.
كان هدف الله دائماً أن يمتد ملكوته السماوي إلى الأرض، وأن يقطنها شعبه الأمين. أما في السماء، فإن إرادته سبق وتمّت بشكل كامل. لكن على الأرض، فإن خلائقه ترفض أن تتمّم إرادته. يرفضون أن يُقرّوا بالله كملك، وممالك هذا العالم غالباً ما تُقاوم مُلك الله. من هنا، عندما صلى يسوع الصلاة الربانية، طلب أن تنهزم في يوم من الأيام كل هذه الممالك المعارضة، بحيث لا يبقى سوى ملكوت الله. انظر كيف يتحدث كتاب الرؤيا ١١: ١٥ عن ذلك اليوم المستقبلي:
قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
ملكوت الله المميّز سيثبت حتى ينتصر ويملأ العالم بكامله. هذه هي الغاية النهائية للنبوة الكتابية. عندما يعود يسوع بمجده، فإن مُلك الله المميّز سيشمل كل ممالك الأرض. ونجد التعليم حول هذا الرجاء في إرميا ٣١:٣١-٣٤، وزكريا ١٤: ٩، ومقاطع أخرى كثيرة في الكتاب المقدس.
يفوق مُلك الله بكثير التشبيهات الموجودة في الشرق الأدنى القديم. ففي العالم القديم، لم يفِ الملوك الأسياد البشريون تمامًا بالإحسان الذي وعدوا به في عهودهم. ولم يقيّموا أبداً ولاءَ رعاياهم بشكلٍ كاملٍ، كذلك لم يطبّقوا بعدل نتائج العهد. أما في العهد مع الله فإن ملكنا السماوي يفي تمامًا بوعود إحسانه. وهو يقيّم ولائَنا بشكلٍ كاملٍ. وهو يطبّق التأديب الكامل والدينونة في شكل نتائج بركات العهد ولعناته. وكما سنرى بعد قليل فقد أرسل الله يسوع المسيح ابنه الملك ليكون مخلصا بالكامل لله نيابة عنا، وليحمل نتائج عدم ولائنا بحيث يمكن أن ننال الخلاص فيه.
الكلمة
عن هذه الخطة

يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم ذلك، فإن الرسالة العامة واضحة: يسوع الملك سيعود بانتصار.
More
نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع: