سفر أعمال الرسلعينة
اليوم 20: التطبيق المعاصر (الصفة الأدبية)
يمكننا قول الكثير عن سفر أعمال الرسل من الناحية الأدبية، لكنّ سنركز على ثلاث من خصائصه الأكثر بروزاً. أولاً، كان لوقا انتقائياً فيما سجله من أحداث. ثانياً، صمم السفر ليكون عَرَضياً. وثالثاً، أنه نقل الكثير من تعاليمه بشكل ضمني.
1) انتقائي:
لقد اختار لوقا، مسوقاً بالروح القدس، هذه الأجزاء من التاريخ والتي هي حاسمة في فهم عمل يسوع من خلال الرسل، وهذا سيقنع قراءه باعتناق بعض التعاليم الأساسية للرسل. وهكذا، وبينما نحاول إيجاد طرق لتطبيق سفر أعمال الرسل في العالم الحديث، لابد أن نقوم بأمرين. فمن ناحية، يجب أن نتجنب خطأ التفكير بأن لوقا سجل كل شيء قد نرغب في معرفته عن تلك الفترة من تاريخ الكنيسة. فهناك العديد من الأسئلة التي لم يتم الإجابة عنها، وعلينا أن نتجنب البحث عن حلول لمشاكلنا العصرية في سفر أعمال الرسل.
2) عرضي:
إلى جانب كونه انتقائياً، فإن الأسلوب الأدبي لسفر أعمال الرسل عَرَضي. بمعنى أنه كتب مجموعات متعاقبة من القصص والسجلات القصيرة. عند قراءة سفر أعمال الرسل، مهمٌ أن نلاحظ أن كل قصة هي جزء من استراتيجية لوقا ورسالته ككل. حيث تساهم كل قصة بطريقة ما في تحقيق مهمته ككل في تعليم ثاوفيلس عن إنجيل ملكوت الله في المسيح. وهكذا، يجب أن تظهر هذه الصورة الكبيرة كخلفية وسياق لكل حلقة نقرأها في سفر أعمال الرسل.
ولكن كل حلقة مميَّزة أيضاً. حيث أن لكل واحدة منها أهداف لتحققها، وتفاصيلها الخاصة لتعلم عن الطريقة التي ينبغي أن تستمر فيها الكنيسة في بناء ملكوت الله في المسيح من خلال الإنجيل. هذا يعني أنه عند قراءة السفر، ينبغي ألا نسمح لهدف لوقا العام أن يطغى على النقاط الفردية التي كان لوقا يصنعها. لابد أن ننتبه للصورة الكبيرة والصغيرة، ونفهم كيف أن كل حلقة لا تساهم في تحقيق الهدف الأكبر فحسب، لكن في تحديد تفاصيل هذا الهدف أيضاً.
3) ضمني:
بصورة عامة، يوجد نوعين أساسيين من الأدب في العهد الجديد: المخاطبة القصصية، والمخاطبة الجدلية. المخاطبة الجدلية هي الأدب الذي يمثّل نوعاً من المحادثة، مثلاً، عندما تتحدث إحدى الشخصيات في كتاب، أو عندما يتحدث المؤلف مع قرائه بشكل مباشر. على سبيل المثال، تتألف رسائل العهد الجديد في المقام الأول من مخاطبات جدلية يتكلم فيها مؤلفٌ، مثل بولس، مع مستلميّ هذه الرسائل بشكل مباشر. وبالطبع، تتضمن بعض الرسائل أجزاءً من القصص، ونجد أحياناً أناشيد أو أمثال. لكنها تتكون على الأغلب من المخاطبات الجدلية. والنقطة الرئيسيّة التي نرغب في إبرازها هنا هي أن المخاطبات الجدلية تنقل معظم تعاليمها بشكل مباشر وواضح. فعندما كتب بولس رسالة ليخبر قرائه أن يفكروا أو يفعلوا شيئاً ما، فقد أخبرهم ما كان يريد بشكل مباشر.
من الناحية الأخرى، المخاطبة القصصية هي نوع الأدب السائد في الأناجيل الأربعة، والأهم من ذلك في هذه الدروس، في سفر أعمال الرسل. والمخاطبة القصصية هي الأدب الذي يحكي قصةً ويقدم تعليماً بطريقة أقل مباشرة. ومما لا شك فيه، تظهر المخاطبة الجدلية في هذه الأسفار أيضاً، وخاصة في خُطَب بعض الشخصيات، ولكن الأدب السائد في الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل هو المخاطبة القصصية. وبعكس المخاطبات الجدلية، التي تميل إلى التعليم بشكل واضح، تميل المخاطبات القصصية إلى التعليم بشكل ضمني، سامحة للقارئ باستنتاج دروسها. وتؤثر القصص في القراء، ليس من خلال التعليمات المباشرة، ولكن بطرق دقيقة أكثر. لقد تم تصميمها حتى يستخلص القرّاء الدروس من المواقف، الأفعال، وكلمات الشخصيات، ويتعلموا أن يتبنوا الأفكار التي ترضي الله ويتجنبوا الأفكار التي تعارض مشيئته.
لقد تم عرض حوالي سبعين بالمئة من سفر أعمال الرسل بأسلوب قصصي. فبالنسبة للجزء الأكبر من السفر، كان لوقا يخاطب قرائه بشكل أساسي ويقول "دعوني أحكي لكم قصة عن عمل الله في الكنيسة الأولى". بالطبع كانت القصة التي أخبرهم بها حقيقية بشكل مطلق. لقد دعاهم لدخول عالم التاريخ الحقيقي. لكنه قدم هذا التاريخ في شكل قصة لأنه أراد أن يستخلص قرائه النتائج من الحقائق التي سجلها. وهكذا، عندما نقرأ سفر أعمال الرسل، مهم أن نبحث عن هذه التعاليم الضمنيّة.
وبالطبع، إن إحدى الطرق الرئيسية لتقييم القصص الكتابية وتطبيقها على حياتنا، هي بملاحظة رد فعل الله تجاه الأحداث التي تحصل. إن أقوال الله وأفعاله قبل أي شيء آخر هي معصومة عن الخطأ. وبالنتيجة، يجب أن نلاحظ دائماً، الأشياء التي يوافق عليها الله في سفر أعمال الرسل ويباركها، بالإضافة إلى الأشياء التي يرفضها ويلعنها. فكل ما يباركه الله يكون خيراً، وكل ما يرفضه أو يلعنه فلابد أن يكون شراً. وعندما نقرأ سفر أعمال الرسل، لابد أن نسعى لتقليد العقائد، المواقف، والسلوكيات التي تُرضي الله، وتجنُّب ما يعارضه.
بالإضافة إلى ذلك، ولأن لوقا اعتمد على وجهات نظر قادة الكنيسة البارزين بشكل كبير، فإن طريقة أخرى لرؤية تعليم لوقا الضمني هي بملاحظة الأمثلة التي قدمها لنا. فإذا فعل أحد الأشخاص الموثوق بهم كالرسل، الأنبياء، وقادة الكنيسة المحتَرَمين أو قالوا شيئاً، يمكننا الاستنتاج عادةً بأننا مدعوين للتعاطف معهم. حيث أن أفعالهم مناسبة، وشهادتهم حقة. وبناءً على ذلك، يجب أن يكون رد فعلنا استجابة لدعوتهم في قلوبنا، وأن يكون سلوكهم وأفكارهم نموذجاً لنا.
والعكس صحيح أيضاً، عندما يتم إدانة الأشخاص من قِبَل الرسل أو الكنيسة في سفر أعمال الرسل، يمكننا الاستنتاج بأن أفعالهم شريرة، وأنه علينا ألا نتبع مثالهم.
عن هذه الخطة
إن سفر أعمال الرسل هو المجلد المصاحب لإنجيل لوقا. فهو يسجل تأسيس الكنيسة الأولى تحت قيادة الرسل، ونشاط ونمو الكنيسة خلال منتصف القرن الأول. في الكنيسة المعاصرة غالبا ما يلجأ المسيحيون إلى سفر أعمال الرسل للتعرف على المسائل المتعلقة بالمواهب الكاريزماتية وللتحقيق في أمور مختلفة تتعلق بإدارة الكنيسة وسلطانها. ويتحدث سفر أعمال الرسل عن هذه الأمور بالتأكيد. ولكن ماذا كانت الفكرة الرئيسية للوقا حين كتب هذا السفر؟ ما هي الصورة الأكبر التي حاول أن يقدمها للقرّاء لفهم هذه الأمور الثانوية؟ ما هو الأمر الرئيسي الذي أراد أنه يتعلمه قرّاءه وأن يفعلوه؟ في هذه الخطة نتعرّف على عرض خلفية سفر أعمال الرسل ورسالته الرئيسية. كذلك نقوم بتلخيص البنية، والمحتوى، والمعنى الأصلي، والتطبيق المعاصر لسفر أعمال الرسل.
More
نود أن نشكر وزراء الألفية الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع:
http://arabic.thirdmill.org/seminary/course.asp/vs/ac